عربة اسمها الرغبة نص مسرحي يغني بعلاقاته الاجتماعية المتوترة
وصراعات شخصياته الضيقة آفاقاً مجتمعية واسعة فتلك النماذج التي شهدناها عبر العرض المسرحي معجونة بالتفاصيل والمتنوعة بامتياز لذلك تمتد آفاق المعالجة المسرحية لتنتقل بسلاسة وديناميكية مبهرة من بيئة اجتماعية إلى أخرى تتماثل معها في الظروف نفسها حيث فضاؤها الفكري الافتراضي يستحضر حالة حتمية تسير إليها أي بيئة اجتماعية أخرى تعيش أوضاعاً إنسانية واقتصادية واجتماعية وثقافية سيئة، فهناك بؤس إنساني وشقاء روحي يسيطر على أجواء العرض وأناس تلك البيئة، هم بشر يعيشون على هامش الحياة عاجزين عن الفعل الإنساني بفعل تدمير عالمهم ذاك لذواتهم الإنسانية وجعلهم عبيده إن كان في الأفعال أو العلاقات أو المواقف، فبنية مجتمع يجتر أزماته المختلفة لاشك ينسف عندهم أبسط الأحاسيس النبيلة لذلك لن يتورعوا عن الغوص في عالم تتعثر فيه القيم وتغيم في فوضى مؤسسيه، يجعلهم يستمرون في غيهم دون أدنى مراجعة لذاتهم، وقد تجسد ذلك عبر علاقات اجتماعية بقدر الاستهجان الذي تنتزعه تقدم صورة واقعية لشرائح اجتماعية ورطها الفقر وجردها العوز من أدنى ملامحها الإنسانية/فبلانش/ التي تقوم بدورها الفنانة سلافة معمار تتوالى انكساراتها الفردية إذ ترهن أملاك أهلها بضغط الأزمة المالية لتخسرها لاحقاً شيئاً فشيئاً وتصل في النهاية إلى أن تفقد ذاتها وتعمل بائعة للحب وهي المدرسة المفترض بها اعلاء درجة الوعي لمحيطها، فتفقد مصداقيتها وتطرد من عملها، تتحول بعدها إلى نموذج ليس بيده إلا أن يكون عرضة لنهب الآخرين في الوقت الذي تصبح فيه عرضة لنهب صراعات فظيعة تتمكن من أعماقها، ليعمم تشوه إنساني وقيمي وروحي بالشكل المطلق، فزوج الأخت أيضاً ينبش ماضيها بكل قسوة وينتقم منها بطريقة فظيعة، ليقف عثرة تالية لخلاصها من صراعاتها النفسية المريرة وغذاباتها الفردية، فهو يتأثر بدورها كونه صنيعاً لنفس البيئة المأزومة.
فالعرض وإن يغوص في العلاقات الإنسانية إلا أنه يعرض لفساد علاقات اجتماعية برمتها تعكس فساداً محيطياً عاماً بامتداداته المختلفة، الذي يقذف دون رحمة بالآلام في وجه الناس ليعيشوا أزمات عديدة في عوالمهم الخاصة والعامة فتلك الأزمات المجتمعية من سياسية واقتصادية واجتماعية تركت بصامتها المؤلمة على أفراده وتلك هي المقولة التي برزت في عرض /عربة اسمها الرغبة/ وبررت صلاحيته وإمكانية إسقاط أفكاره على مجتمعات أخرى وإن اختلف الشرط الزماني إذ تبقى الآلام الشخصية تعطي صورة ناصعة عن مآزق المجتمع العام حيث يصعب الإفلات من براثنها مهما كثرت المحاولات، الفردية فتظهر بشكل من الأشكال، تفضح ملامحه كاشفة الأكثر خفاء وفجاجة وواقعية الممثلون: سلافة معمار، باسل خياط، سوسن أرشيد، مكسيم خليل.
/عربة اسمها الرغبة/ نص: تينسي ويليامز/ سينوغرافيا وإخراج: غسان مسعود