وإن الذي يحكم القرار دوماً هو أن مصلحة سورية تعلو فوق فوق كل مصلحة.. وفي هذه الحرب المعقدة التي شنت على سورية بأكثر الوسائل اللانمطية المعروفة في التاريخ المدون.. وأربكت كل معيار محسوس جرى القياس عليه بسهولة.. فقد وجدنا من بين ظهرانينا ممن كان وطوال الوقت السابق للأزمة وبعدها.. يجلدنا بغلوه في المحاباة وكسر دائرة الوعي بالمسلمات والتعاويذ حتى اتجاه ما نحب جميعاً ونحترم من رموز وطنية دون تحويلها إلى أصنام.. وأنك ولو جاريته قليلاً وطلب منك أن تصلي على النبي.. فسيقول لك.. زيد النبي صلاة.. حتى لتكاد تجهش بالبكاء.. من شدة تعاويذه.. فتضيع الفكرة التي تريد قولها مع مبدأ الحوار برمته..
واليوم نقول ببساطة ووضوح لكل المغالين في تطبيق القانون الذي نطالب نحن قبل كل المطالبين بتطبيقه.. أننا نريد أن نطبقه على معيار الحق لأن سورية بالدرجة الأولى هي دولة الحق..
فبالقانون المجرد يا سيدي.. قد أمكن ويمكن (ويعرف الكثيرون أمثلة عما نقول).. ألا يتم اتخاذ إجراءات احترازية أو تنقل بعض الآلات الهامة والمنشآت الحيوية والتي كان يمكن نقلها ومنذ بداية الأحداث قبل الاعتداء عليها من قبل المسلحين سرقة وحرقاً.. وبالقانون أيضاً لا أعرف كيف يمكن أن تبيت عشرات عائلات الشهداء دون وقود الشتاء ولا أريد إيراد أمثلة أكثر ولكن في دولة الحق يمكن بأدق ما يمكن أن تضيق الفجوة بين المأمول والمتاح..
وبالحق أيضاً ووفقاً للكثير من العالمين بحقائق الأمور فإننا نعلم بوجود مؤسسات سورية بطلة بكل معنى الكلمة مثل مؤسسة وزارة الكهرباء السورية بتفرعاتها وأقسامها وهيكليتها وهرميتها ومن حق هؤلاء علينا أن نقول ونشير إليهم بالاسم لأننا جميعاً ندرك أنهم وهم يتسلقون الأبراج ويصلحون مع زملائهم في مؤسسة النفط خطوط الغاز فإنهم يتعرضون للتهديد من قبل الإرهابيين وهم إذاً مع أقرانهم ممن ذهبوا لإيصال الكتب المدرسية إلى المناطق الساخنة واستشهدوا من وزارة التربية، يعملون لدولة الحق وليسوا موظفين تقليديين.. فمن ذاك لديه مثل هؤلاء الرجالات غير دولة الحق التي كلنا يروم.. وهل يشبه أحد أحداً في هذا الزمان أم أن البون شاسع وهائل بين رجالات دولة الحق وغيرهم..
ففي دولة الحق ثمة حق آخر، هو لأبنائها بأن يعرف عملهم وتضحياتهم.. ومن الحق أيضاً أن يعلم الشعب أن هناك من أبنائهم من تركوا جامعاتهم وأعمالهم وحملوا السلاح ليدافعوا عن الوطن في صفوف الجيش العربي السوري البطل والمقاومة الوطنية في حزب الله والدفاع الوطني وكتائب البعث ونسور الزوبعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي.. فهل من الحق في شيء أن نغفل أمام أم الشهيد وأخته وابنته شهادة أو دور أي من هؤلاء الذين قضوا في صدد وجسر الشغور والجولان ومطار الثعلة.. وأن نذهب بدل ذلك إلى صاحب الأختام القانونية المصنوعة من خشب وحبر أزرق فنقول له إننا لا نستطيع أن نتحدث عن تضحياته وشهادته في وسائل إعلامنا الوطنية المقاومة حتى يأتينا بالأوراق الرسمية مع صورة شمسية وشهادة ميلاد من المختار..
يحتار قلمي حقيقة وأنا أكتب هذه الكلمات.. فأبحث بينها عن نزار قباني.. بين ودع المنجمات التي أحبها.. وحار فيها بأشعاره.. ليؤلف شعراً لم يعش في زمنه بل جاءه بعد مماته.. فبرقت عيناه.. عدسات من دموع.. تبرق عليها كل هاتيك الخيارات.. في تلك المفارقات التي تنتمي لعالم الحرب والحق.. فحقاً لقد بالغ البعض.. عن معرفة أو جهل.. لا أعرف لكنها مصيبة عظيمة وأعظم..
ففي دولة الحق ثمة حامل للنصر الذي سيأتي على يد كل هؤلاء المضحين.. وهم أبناء الوطن المخلصون الحقيقيون وهم ذلك الصناعي الحلبي الذي قابلني ذات يوم أمام باب مقهى الهافانا الدمشقي العريق ليبلغني ودمعة في عينيه.. بأنه صاحب منشأة صناعية متوسطة الحجم في حلب وكان ميسوراً جداً ويعيش حياة رغيدة ومنتجة وهانئة ثم جاء الهمج الإرهابيون ليدمروا مصنعه فجاء إلى دمشق ليفتح بسطة لبيع الملابس ويبقى يكسب قوت أولاده، والآن تأتي المحافظة لتغلق بسطته دون بديل أو معيل.. نعم في دولة القانون النسبي يجب على موظفي الدولة إغلاق كل البسطات وذلك عندما تكون نسبة النمو عالية وعندما يكون البلد الغني الناشئ محتاجاً إلى التنظيم وتأطير الاقتصاد بشكل يحفظ جميع القطاعات ولا يشوه المدينة، وأما في زمن المواجهة الكبرى فإن دولة الحق هي من تتصدر وهي التي تعلم بأن ذلك الصناعي الحلبي هو رجل مقاوم بكل معنى الكلمة وهو ذلك المعنى الوطني المقابل معيارياً لذلك (الصناعي، التاجر، رجل الأعمال، مالئ الدنيا وشاغل الناس على شاشات التلفزة وصفحات المجلات الاقتصادية والاجتماعية ومجالس رجال الأعمال واتحادات غرف الصناعة والتجارة وحفلات الكوكتيل) ثم هو نفسه الذي ومنذ بداية الأحداث قد غدا بملياراته العديدة خارج حدود الوطن (ولا أقصد التعميم بل المعيار).. فيا خوفي وخوفك أيها الحلبي الصديق الجميل.. بائع البسطة.. أخي.. أن يأتي وقت الإعمار.. فيأتي ذلك الشخص الذي ذكرناه أو شبهه، مستثمراً خارجياً بملياراته الخليجية.. فيأتي الموظف ليدافع عن القانون النسبي الذي وضعناه نحن بحبر أزرق وعلى ورق أبيض.. فيطالبك كما يطالبها بودائع في البنوك ليسمح لك بالاستثمار في إعمار بلدك، وهذا طبعاً قانون معمول به عبر دول العالم وفي دولتنا طبعاً ولكن ليس في حق المقاومين الذين يجب أن يعتبر صمودهم وبقاؤهم وأولادهم في الوطن استثماراً حقيقياً ورأس مال تأسيسياً فعلياً ولولاه وأمثاله من الشرفاء لما بقي ما يمكن أن يتم الإعمار فوقه لا الآن ولا بعد قرن من الزمان..
هذه كلها قواعد للفكر اللانمطي الذي يجب أن نتعود عليه بالإقلاع عن العقل الوظيفي التقليدي الذي يسيطر على الكثيرين في تطبيق القانون ويطالعونك بالجواب النمطي.. حيث يجب أن يأتي السؤال لا نمطياً (دون أن يعتقد ساذج أنها دعوة ضد القانون).. وهل هذه الحرب الكونية التي شنت على سورية وبهذه اللانمطية وذلك التعقيد معمول بها في تلك الدول من العالم؟
خلاصة القول إن هذا الوطن لم يصمد إلا بوجود روافع للفكر المقاوم اللانمطي الذي شاغل وقارع وقاوم أكثر من 80 دولة حاربت سورية وأقربهم في حربهم أقربهم في جوارها وإن من يعتقد بأن دفاعاً نمطياً تقليدياً كان ليخرج سورية من هذا الشرك فهو واهم.. ولذلك في مرحلة البناء فإن سورية المقاومة الرائدة يجب أن تعوض على كل جراحات وآلام عائلاتها الشرفاء المضحين وذلك بوجود مكان كريم لهم على أرضهم.. مكان فيه عزتهم وكرامتهم وكرامة أبنائهم الذين أسسوا لأعظم نصر في التاريخ هو حصيلة أعظم صبر أنتم لابد ملاقونه..
maizoon@gmail.com