فقد غدا منظر بحور الدم وتلال الأشلاء في الأرض المحروقة لا يحرك فينا شيئاً نتابعه بلا مبالاة على فضائياتنا ونحن نرتشف قهوة الصباح أو نلتهم طعام الغداء فلا يحرك نخوتنا هتك حرقة المقدسات أوالنيل من كرامات الرسل والأنبياء ولا تهز فينا شعرة صرخة وامعتصماه.
وتجد بعد ذلك من يحدثك عن عنف الرجل ضد المرأة وعنف الأم ضد أولادها وعنف الأخوة ضد الأخوة وعنف المعلم ضد التلميذ وعنف الإدارة ضد المعلم والأخطر من هذا وذاك.. عنف التلميذ ضد التلميذ.
حتى في مدارس البنات حدثتني مديرة المدرسة مستغربة عن تصاعد عنف البنات ضد البنات.
والسؤال الذي يطرح نفسه بداية: لماذا غدا العنف لغة تخاطب هذا العصر وكيف نكبح جماح هذا المد المتصاعد في حياتنا الاجتماعية.. بعد أن فاض طوفان من ضفاف حياتنا السياسية.
وهل حقا.. كما طرح البعض في الموضوع المنشور جانباً أن التدافع والموبايل والحالة الاقتصادية وراء العنف في المدارس في لغة السياسة قيل إن العنف لا يولد إلا الإرهاب وفي لغة علماء التربية والفلسفة وعلم المجتمع إن العنف يولد الإجرام .. وفي لغة علماء الاقتصاد الفقر يولد ولهذا تجد أعلى معدلات العنف في البيئات الشعبية الأقرب فالأدنى من حزام الفقر المدقع ورغم كل ذلك نقول ليس موضوع العنف موضوعاً جديداً أو طارئا في حياتنا.. فقد تفجر العنف الإنساني منذ أقدم جريمة في التاريخ.. وأقصد قتل قابيل لشقيقه هابيل ولكن الجديد في هذا الموضوع أنه غدا كما ذكرت آنفاً أكثر تصاعدا في يومنا هذا حتى صار خطاب يومنا.
ألا ترى معي أن كل أشكال العنف الاجتماعي التي ذكرناها وعددناها لا تعدد كونها تنفيساً عن أشكال العنف السياسي الذي اعتدنا مشاهدته عبر شاشاتنا في بؤر النزاعات المسلحة على طول الأرض وعرضها حتى سلبتنا هذه المشاهد سكينتنا واطمئناننا النفسي وراحت تفتت في اللاشعور- أمننا وأماننا - فجعلتنا نعتنق باللاوعي -العنف- حواراً.
وأية لغة أو حوار .. يبقى بعد أن نعلن للملأ اندلاع لهيب .. عنفنا..