تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تطعيم الأدب بنكهة الخيال العلمي!!

كتب
الخميس 10/4/2008
في العقدين الأخيرين من القرن العشرين وربما قبل, ظهرت مجموعة من المسلسلات التلفزيونية قوامها التخييل المحض,

إذ كنا نشاهد أو نسمع عناوين من مثل: الرجل المتحول.. الرجل المتخفي.. وغيرها, أحد تلك المسلسلات كان يحكي قصة رجل يمكنه الانتقال إلى العالم اللامرئي, ويعود إلى العالم المرئي بواسطة حبر خاص يدهن به جسمه.‏

المحطة الأبرز في سينما العالم (هوليوود) استثمرت تلك الثيمات التخييلية حد الاستهلاك, فأصبحنا نرى أفلاما تنتج بعشرات النسخ حول الموضوعة ذاتها, على سبيل المثال: ظهور عديد من الأفلام التي تتمحور حول (آلة الزمن) وإمكانية انتقال الإنسان من خلالها لمختلف الأزمنة.‏

هل كان لهذه الثيمات السينمائىة الموسومة بأفلام الخيال العلمي, أصل أدبي? بمعنى هل كانت فكرة الخيال العلمي نتاجاً أدبياً في بدايتها, قبل اقتحامها عالم الفن السابع?‏

يبرز هذا المجال الأدبي المطعم بالحس العلمي منذ القرن التاسع عشر, ويقف المفكر وعالم الاجتماع والروائي الإنكليزي هربرت جورج ويلز (1866-1946م) على رأس قائمة مؤسسي أدب الخيال العلمي.‏

ورواياته (الرجل الخفي, آلة الزمن, جزيرة الدكتور مورو, حرب العوالم) تعتبر جميعها من الروايات علمية الطابع.‏

لم يكتب ويلز في الخيال العلمي لأنه درس علم الأحياء أو لأنه منبهر بالعلم وحسب, وإنما لأنه أراد البوح بآرائه وانطباعاته الفلسفية والاجتماعية التي استخلصها من المجتمع الذي عاش فيه, ولهذا نلحظ أن بعضاً من كتاباته تأتي في سياق منح نظرة مستقبلية لما ستؤول إليه الأمور علمياً, عام 1913 م نشر (العالم يتحرر) الذي تنبأ بعد قدوم الحرب, وذكر إمكانية صنع قنبلة ذرية يمكنها محو مدينة بكاملها.‏

في روايته (الرجل الخفي) الصادرة حديثا عن دار دعد, يتحدث عن عالم مهووس بالتجارب الكيماوية تقوده إلى تحقيق حلمه في التخفي, فيتحول إلى رجل غير مرئي, وبدلاً من أن يحصد نتائج إيجابية لطالما انتظرها من هذا الانجاز العلمي غير المسبوق, فإنه لا ينال إلا المرارة والقسوة, لتنقلب كل الأمور ضده وتنقلب خيوط اللعبة التي ابتكرها من بين يديه, يصور ويلز ذلك التحول اللاإنساني الذي يصير إليه غريفين (الرجل الخفي) قائلاً: (يجب على ذلك الرجل الخفي أن يؤسس عهداً إرهابياً, عليه أن يرهب كل من يعترض طريقه أو يحاول الإمساك به على الرجل الخفي إصدار الأوامر وعلى الجميع تنفيذها بحذافيرها وكل من لا يطع الأوامر مصيره القتل).‏

هذا التحول الفظيع اللاإنساني كان نتيجة الصدمة التي عاناها غريفين من جراء المعاناة التي لقيها من وضعه الغرائبي اللامرئي يقول: (قبل أن أجري هذه العملية المجنونة كنت أفكر بالمنافع الكثيرة التي يمكن الحصول عليها, لكن آمالي خابت في تلك الظهيرة, مباهج الدنيا أمامي ولا أستطيع الاستمتاع بها.. ما الفائدة من الافتخار بإنجاز عظيم إن كنت لا تستطيع الظهور أمام الملأ? وما الفائدة من عشق امرأة لا يمكنها أن تراك وتتحسسك? لم أعد أكترث للحياة ومعارفها, لم أعد أتوق للشهرة والسمعة الطيبة, وحب الإنسانية.. إنني مجرد لغز غامض يصعب حله) وكما لو أن شخصية غريفين (الرجل الخفي) تأتي في سياق يحسن فيه ويلز رسمها جاعلاً منها مثالاً لمن يسيء استخدام العلم وتقنياته, مسخرا التطور العلمي لمصالحه وأهدافه غير النبيلة. قبالة هذه الشخصية تأتي شخصية الدكتور كمب, صديق غريفين في سنوات الدراسة, وهو النموذج الضدي لغريفين, إنسان ينظر إلى العلم نظرة احترام ومهابة يسعى إلى إفشال محاولات الرجل الخفي في نشر العنف والإرهاب والقتل, وفي النهاية يتم له الأمر.‏

على الرغم من أن رواية (الرجل الخفي) تشتمل على خاتمة تشبه خلاصة حكايات الجدات ذات المواعظ والحكم الإنسانية نبيلة المقصد.. إلا أن هذا لا يخفي كون ويلز ذا نظرة استشرافية تنبؤية تؤمى بما يمكن أن يسببه توظيف العلم وتقنياته شديدة التطور, توظيفاً سلبياً, لا مدروساً ولا إنسانياً, يهدد البشرية بدلاً من أن يغني جوانب الخير فيها.‏

< لميس علي‏

الكتاب: الرجل الخفي - المؤلف: هربرت ويلز - المترجمة: دعد السليمان - الناشر دار دعد 2008 م.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية