تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الموسيقي العربي إبداع على هوامش العولمة

فنون
الثلاثاء 1-12-2015
علي الأحمد

يسعى الموسيقي العربي اليوم الى تجسير الهوة السحيقة التي تفصل بين الاجيال وموروث الابداع في الموسيقا العربية ، وهو في مهمته النبيلة هذه يسعى أيضاً الى كتابة موسيقا عربية حداثية ومعاصرة تنحاز في كثير من تجلياتها المهمة الى عناصر الهوية الموسيقية العربية

التي لاتزال تنبض بالحياة والعطاء بالرغم من تبديد الكثير من مفرداتها في متاهات التجديد والتقليد الاعمى الذي سار عليه العديد من الموسيقيين العرب الذين انبهروا بالغرب وتقنيات الكتابة والممارسة ليكتبوا منتوج موسيقي مغاير يلائم ذائقة وأذن هذا الآخر بغية نيل رضاه وبركاته التي تغدقها منظومة العولمة بايديولوجيتها الخبيثة الماكرة في استعادة لمقولة المفكر العربي « ابن خلدون « في ولع المغلوب بالغالب .‏

وقد يحار المرء في كيفية الانسلاخ الكلي عن تراث وموروث غني شكل وعلى مدار حقب طويلة من الابداع والخصوصية ،معالم وبنية هذه الهوية الموسيقية المائزة ،التي استقبلت على الدوام مؤثرات خصبة وتقنيات وافدة من موسيقات الشعوب دون عقد نقص او استلاب وذلك من منطلق الندية واثبات الذات ، كما من منطلق الارتحال الايجابي نحو الآخر المغاير المختلف بغية اثراء المعرفة والعلم ورسم معالم هذه المثاقفة على طريق الحرير الموسيقي الذي اشتركت كافة الموسيقات في ترسيخه كرافد مهم من روافد الفكر والثقافة في العالم ،وهذا بالتأكيد ما افاد موسيقانا العربية بكثير من التقنيات والعلوم ارتقت معها الى ذروات ابداعية مهمة بعد امتزاج الاصيل مع الوافد في ُبعد ثقافي له دلالاته الاجتماعية والسياسية ،اذا ما الذي يستدعي من بعض الموسيقيين الارتماء في احضان هذا الغريب دون ادراك لمخاطر هذا التوجه الذي باتت ترسخه منظومة العولمة وما بعدها في انحياز واضح للبعد التجاري الاستهلاكي الذي بات يتمدد ويسيطر على كافة الموسيقات بفعل سطوة شركات الانتاج والاقتصاد الرأسمالي الذي افرز الكثير من الظواهر المرعبة على تراث الشعوب ومحاولة اقتلاعه من جذوره والزج به في متاهة هذه المنظومة بحجة نشره وتقديمه ، وهي محاولات على نبل مقصدها ظاهريا الا انها تحمل السم في الدسم من خلال تذويب هذا التراث الزاخر بالإبداع في سوق الانتاج المعولم بالطبع بعد تشويهه والنيل من رموزه ورمزيته الراسخة في الذاكرة الجمعية للشعوب . وهكذا يكتب الموسيقي العربي ابداعه المميز على هوامش هذه النكبات الموسيقية المتعولمة ، ويعيد من جديد طرح الاسئلة حول أهمية الانطلاق نحو العالمية من عناصر الابداع في هويته الوطنية وهو نجح في ترك حضوره وبصمته في المشهد المعاصر بالرغم من كل العقبات والموانع التي تصادفه ، لتبقى موسيقاه المعرفية بأبعادها الجمالية والذوقية الرفيعة ملاذنا الاول والاخير في مواجهة القبح والاسفاف والانحطاط السائد .‏

Ali.mezzo59@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية