والتي قد كان لها الأثر الكبير إذا ما أضيفت إلى بسالة وصمود الجيش السوري ليس في تغيير الموازيين والمعادلات فحسب، بل في كشف وافتضاح الأدوار والغايات الحقيقية لأطراف التحالف الأميركي في خلق الإرهاب وتغذيته، وخاصة الطرف التركي الغارق حتى أذنيه بدعم واحتضان الإرهاب والمستفيد الأكبر من جرائمه ودمويته.
غير أن الجنون التركي كان قد دخل منعطفا خطيرا بعيد الصفعة القاسية التي تلقاها اردوغان من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة العشرين الأخيرة في انطاليا التركية، عندما قال بوتين على الملأ أن هناك دولاً بعينها موجودة بين الحضور تدعم الإرهاب وتحتضنه، وهذا شكل صدمة للحضور عموما و لاردوغان على وجه الخصوص.
كلمات بوتين خلال قمة العشرين لم تتوقف عند حدود التصريحات والأقوال التي يقصد من ورائها الاستعراض كما يفعل غيره من قادة ورؤساء التحالف الأميركي، بل أعقبتها سلسلة من الإجراءات والأفعال العملية على الأرض مع قيام الطائرات الروسية خلال الأيام القليلة التي سبقت الحماقة التركية (إسقاط الطائرة الروسية ) بتدمير أكثر من 1200 صهريج لنقل النفط المسروق للتنظيمات الإرهابية، وهذا الأمر لمن لا يعرف كان السبب الرئيس الذي دفع الرئيس التركي لإسقاط الطائرة الروسية ( طبعا بعد حصوله على الإذن المسبق من أميركا والناتو)، ذلك أن تدمير تلك الصهاريج من قبل روسيا قد أصاب في العمق المصلحة الشخصية والنفعية لاردوغان، لان تلك الصهاريج النفطية التي يقدر عددها بنحو 2200 صهريج والتي يجني من ورائها الأخير أكثر من عشرة ملايين دولار يوميا تعمل لصالح 35 شركة تركية تتبع في معظمها لبلال اردوغان ابن الرئيس التركي وصهره بيرات البيرق الذي عينه اردوغان وزيرا للطاقة في الحكومة الأخيرة وهذه المعلومات (سرقة النفط السوري والعراقي )لم تعد بالخافية على احد بعد أن كشفها حزب الشعب التركي مؤخرا خلال جلسة للبرلمان التركي بالوثائق والمستندات والصور والتسجيلات المصورة.
ما زاد الطين بلة بالنسبة للحكومة التركية لجهة ازدياد حدة الهستيريا والجنون هي اعتراف الكثير من دول الغرب بفاعلية الغارات الروسية ضد التنظيمات الإرهابية مقارنة بغارات التحالف التي لم تحقق حتى اللحظة أي نتائج ملموسة وذلك بعد نحو عام على بدئها، وإعلان تلك الدول على الملأ نيتها التحالف مع روسيا لضرب الإرهاب تحديدا بعد هجمات باريس الدموية التي دفعت إلى السطح مجددا ضرورة تشكيل تحالف دولي جاد وفاعل لضرب الإرهاب بعيدا عن الخداع والمراوغة والثرثرة و الاستعراض الذي يجيده الأميركي بشكل كبير والذي لم يحقق ما نسبته 1 بالالف مقارنة بما حققته العمليات الروسية التي بدأت منذ نحو شهرين فقط .
نجاح التحالف السوري يوصلنا إلى الكابوس المرعب الذي يقض مضاجع الجانب التركي والمتمثل بالانجازات الميدانية الكبيرة التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه في شمال وغرب سورية كل لحظة، تلك الانجازات التي قد تمهد لإغلاق الحدود السورية من الجهة التركية بوجه الإرهابيين، وهي التي تمثل البوابة الوحيدة التي لا تزال مشرعة على مصراعيها لتدفق الإرهاب إلى سورية ، وهو مايعني في أبعاده وتداعياته انهيار واندثار الأحلام والأوهام العثمانية في سورية و المنطقة، ناهيك عن تلاشي الطموحات التركية بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي عبر البوابة السورية التي وجد فيها اردوغان فرصته التي لن تتكرر لابتزاز الأوروبي واستنزافه عبر ورقة محاربة الإرهاب واللاجئين.
بالمحصلة إن التصعيد التركي وان كان مطلبا ومقصدا تركيا في هذه المرحلة الفاصلة بالنسبة لتركيا والعالم و للأسباب التي ذكرناها آنفا، إلا أنه ليس في نهاية المطاف إلا إحدى فصول العبث الأميركي الممنهج والمقصود كنتيجة طبيعية للخيبة والعجز التي بدأت تضرب عموم أطراف التحالف، وخاصة الأميركي الذي لايزال يجهد لإشعال المزيد من الحرائق في محاولة أخيرة لخلط الأوراق وقلب الموازيين وتغيير المعادلات التي بدأت ترتسم على الأرض حتى لو كانت النتائج كارثية ودموية مادامت أنها تحقق للأخير مصلحته في استثمار هذه الحريق لإنقاذ نفسه ومشروعه وحفظ ماء وجهه وتحقيق اكبر قدر من المكاسب والأرباح.
لكن السؤال الذي يدفع بنفسه في هذا السياق، هل التركي قادر على تحمل تداعيات جنونه وحماقاته التي بلغات ذروتها مع التحرش بالدب الروسي، سؤال بدأت معالم إجابته تتضح رويداً رويداً مع مسارعة اردوغان للتبرير والاعتذار المبطن ومحاولاته المستمرة للقاء الروسي وامتصاص غضبه والاعتذار منه قبل أن تبدأ ارتدادات الغضب الروسي بالظهور في العمق تركيا.