بعض الرجال يعيش ذكريات العشرة الجميلة ويبكي ضياعها وبعضهم يبكي كيف سيبيت ليلته بلا امرأة .. وهذه حكايات لجراح فراق لم تندمل بعد ...
البنات وصية
أبو عامر ينظر بحزن ويقول ليس أصعب على المرء أن يجد نفسه فجأة دون نصفه الآخر..شريكة العمر على السراء والضراء قد غيبها القدر.
ولا حول ولا قوة إلا بالله على كل حال هكذا قالها بمرارة السيد أبو عامر الذي لا يملك بهذه الدنيا إلا تلك الدكانة الصغيرة يعتاش منها مع أسرته, يضيف عشت معها عشرين عاماً يجمعنا بيت متواضع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى لكن دفئها وحيوتها وقناعتها جعلت مساحة البيت وسع الكون لدرجة اقتناعي أن الضيق في القلب وليس في المكان!! وعلى رأي المثل بيت الضيق يتسع لألف صديق, هكذا جعلت حياتي هانئة رغم عصبيتي وضيق حالي الذي يضغط على أفراد أسرتي الخمسة صباحاً ومساء.
وعندما سألته عن سبب الوفاة أجابني برجفة صوت إنه المرض اللعين ويسمونه الخبيث الذي ينهك الجسد بما يشبه الفريسة لقد عانت منه زوجتي ما يقارب خمس سنوات حافلة بالقهر والمرارة والصبر إلى أن خطفتها اليد المنون مني وهكذا أعيش أيامي على الذكرى التي تؤنس وحشتي وكلماتها الأخيرة حاضرة في وجداني ( من قنع عاش لا ترخص البنات يا أبا عامر) هكذا كانت الوصية.
عجلة القدر
أما السيد بديع-ح: لم يكن يعلم أن سفر عائلته إلى مدينة حمص لقضاء عطلة العيد بين الأهل والأقارب ستكون الأخيرة..يروي قصة الفراق قائلاً إنني موظف في مدينة درعا وزوجتي تعمل مدرسة ورغم سفرنا وتنقلنا المتواصل بين المحافظتين لم أعهد زوجتي متحمسة للسفر كما ذاك اليوم وقبلها بثلاثة أيام زاد حنينها بشكل لا يوصف لرائحة الأهل ورغم كل التبريرات التي قدمتها لها بالتريث قليلاً إلا أنها أصرت, خضعت لرغبتها لأنني أحبها كثيراً وبعد يومين من وصولها جاءني خبر فاجعتها بحادث سير مؤلم أدى لوفاتها وجنينها وابنتي الصغرى..فقدت صوابي وقدرتي على التفكير واستعنت بالصبر والدعاء على تلك الأيام القاسية التي حلّت بي, وعندما ذكرته بقول المثل أعزب دهر ولا أرمل شهر أجابني هذا المثل صحيح مئة بالمئة لكن الوفاء لذكرى الحبيب والإخلاص لتلك العشرة تجعلني أتريث كثيراً إلى أن اطمئن على مستقبل ابنتي الوحيدة وبعدها يفعل الله ما يشاء.
نكد الأهل
فيما الحالة التي قهرت قلب أبا فيروز أنه قضى معظم حياته الزوجية مع الأهل تحمل خلالها تجاذبات الكنة والحماة وضغط الأسرة إلى ما شاء الله وعندما فكر بالاستقلالية ببناء بيت استغرق سبع سنوات وذلك للتخفيف من المشاحنات وتعويض زوجته عن الصبر والتحمل الذي ذاقته وخاصة أن الله لم يرزقها إلا البنات وهذا ما كسر قلبها عندما كانت تنظر إليها حماتها على أنها لم تفلح وتثلج قلبها بمولود ذكر?.
وإن كان هذا بعيداً كل البعد عن العقل والمنطق يقول الزوج لأن لا أحد منا يأتي بشيء من عند أهله, كله من عند الله,.. وعندما قررنا الانتقال إلى بيتنا السعيد لم يمهلنا القدر سوى شهر بالتمام والكمال ليخطف شريكة عمري..زهرة حياتي..قمري في ليالي ظلمتي لأبقى هكذا وحيداً حائراً تائهاً كارهاً حتى لأهلي, معاهداً نفسي ألا أرتبط بزوجة ثانية إلا بعد فرحي بزواج بناتي الثلاث ولو استمر العمر كله على حد زعمه.
فهل حقاً يستمر آدم على الذكريات أم يبحث عن وناسة جديدة لأيامه القادمة ?