والمرأة وحدها تذرف الدمع وتنوح دون أن تكون تلك تهمة مريبة لجنسها.وإذا انصاع الرجل لمشاعره, وتجرأ على البكاء رمقته الأعين وكأنه قد ارتكب جرما لا يغتفر بتخطيه حاجز الوهم المنيع الذي يفصل الرجولة عن البكاء رغم أن البكاء عند الأقدمين كان القوة الأصيلة واستواء النفس الخالية من العقد, وسمو القلب واتساع الروح, فالدموع وبلا منازع فضيلة إنسانية سامية لا تعيب ذارفها ولا تهز في الرجل هيبة الرجولة, أو تفقده احترامه لنفسة وقيمه. ورغم ذلك تتضارب آراء الرجال حول الدموع..
المهندس ياسر عيد يؤكد أن صعوبة بكاء الرجل تفوق كثيرا سهولة بكاء المرأة التي تذرف الدموع في أي وقت (ولأتفه الأسباب) دون أن تهتم بتعليقات المحيطين بها, أما الرجل فلا يستطيع ذلك, لأن هذا يعني أنه ضعيف الشخصية ويتأثر بأي شيء فيفضل كتمان مشاعره وحبس دموعه, وأنا شخصيا لا أبكي أمام الناس, وفي المرات القليلة التي ذرفتها لم يرها أحد حتى زوجتي.
ويستنكر ناصر عبيد مصور تلك الحالة التي يصل إليها بعض الرجال بسبب كبت مشاعرهم وخنق دموعهم يقول: في كثير من الأحيان ألتقط بعين المصور وجوها لرجال يبدو عليهم التأثر والحزن في مواقف كثيرة, لكنهم يحبسون دموعهم فتبدو حائرة بين تدفقها كرد فعل طبيعي لتفاعل المشاعر الإنسانية, وتحجرها في المآقي بحكم التقاليد والأعراف وتتجمد دموعهم قبل أن تذرف فتظل معلقة بين الهدب والهدب.
وأنا أعترف بأني إنسان لي مشاعر وطاقة على التحمل ولست مجرد آلة أو مخلوق حجري.. لذلك لا أخجل أبدا من دموعي بل أتركها تخرج لأنها تريح نفسي في حالات الألم والحزن..
ويتساءل السيد سامر مدلل من الذي صادر حق الرجل في البوح والفضفضة وإطلاق العنان لمشاعره حين يهزه الحزن أو يعصف به الشجن والحنين??
ويتابع: للرجل كامل الحق في أن يبكي ويخفف من وطأة هذا الشعور المقيت بالألم, مهما كان الألم نفسيا أو جسديا, فالبكاء حالة تعبيرية لا ترتبط بجنس معين والدمع وسيلة من وسائل التعبير, أنا ببساطة أبكي ولا أرى خطأ في أن يبكي الرجل.. ولا صوابا في امتناعه عن البكاء.. يهمني أن أبكي في اللحظة التي أحتاج فيها لذلك.
أما باسل ندة فهو يوجه اللوم والعتب الصريح لأمه المتوفاة التي كانت تردد في أذنه همسا (لا تبك أنت رجل والرجال لا يبكون) ويتابع:
كنت طفلا, لكن عبارة أمي الهامسة كانت تدور في رأسي كلما هجمت علي الرغبة في البكاء وشيئا فشيئا لم تعد تزورني هذه الرغبة حتى نسيت نعمة البكاء, وحين ماتت أمي وهجم علي وجع الفراق بحثت عن دموعي ولم أجدها ووقفت أمام جثمان أمي معاتبا (لماذا حرمتني من البكاء على فراقك).
لقد وضح أمامي زيف الصورة التي علقت في الأذهان وهي أن الرجل الذي يبكي إنسان ضعيف ولا يتحمل متاعب الحياة.. والحقيقة أن الرجل الذي يبكي هو القوي لأنه قادر على التعبير عن مشاعره وأحاسيسه.
الدكتور فؤاد كامل أستاذ الطب النفسي يرى أن التنشئة الاجتماعية الخاطئة هي التي جعلت الرجال يحبسون دموعهم يقول: إن البكاء عند الرجل مرتبط بأسلوب التربية ففي المجتمعات العربية نشجع المرأة على البكاء باعتبارها كائنا ضعيفا, ونرفض أن يبكي الرجل لأنه رمز القوة رغم أن الدموع هي نتاج حالة شعورية تحقق فوائد عدة أهمها أنها تغسل العينين وتمثل نوعا من التفريج عن مشاعر صاحبها لأن كبت الإحساس يولد متاعب نفسية وجسمية لهذا نحن ندعو الرجل لأن يبكي ويصرخ ويخرج انفعالاته ولا يخفيها.
فمن المهم أن يعبر الإنسان عن مشاعره ويتخلص من الضغوط النفسية التي يتعرض لها بوسائل مختلفة من بينها الدموع.