تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الحارس في حقل الشوفان: التمرد بصيغة الغضب

كتب
الأربعاء 16/1/2008
( اذا كنت قد أثرت إهتمامك بالفعل فأغلب الظن أن أول ما ترغب في معرفته هو المكان الذي ولدت فيه وكيف أمضيت طفولتي

التعيسة وماذا كان يعمل والديّ قبل أن ينجباني وكل هذا اللغو الذي تعودناه في (ديفيد كوبر فيلد) ولكنني لا أشعر برغبة في فتح هذه الموضوعات فهي أولا تضجرني كما أبي وأمي سوف يصابان بنزيف حاد في نفس الوقت لو حكيت شيئا عن حياتهما الخاصة إنهما شديدا الحساسية لأمثال هذه الأمور وخاصة أبي وهما طبيبان لا أنفي ذلك ولكنهما حساسان بشكل مزعج كما أنني لا أنوي رواية سيرتي الذاتية اللعينة).‏‏‏

‏‏

لابد من هذا المقطع التمهيدي للكلام عن هذه الرواية والتي جاءت ضمن أهم عشر روايات يقرأها الرجال خلال استفتاء بخصوص هذا الشأن كأن قد أجري منذ مدة ليست ببعيدة حيث جاءت النتيجة لتعيد هذه الرواية ( الحارس في حفل الشوفان) لجيروم ديفيد سالنجر إلى واجهات المكتبات إضافة إلى روايات أخرى جاءت بنفس المجموعة مثل: الجريمة والعقاب, لوليتا لفلاديمير نابكوف وعناقيد الغضب لشتاين بك, ويوليسيز لجويس وكما يؤكد مترجمها المفكر الراحل غالب هلسا: أنها كثيرا ما تقارن برواية جيمس جويس ( يوليسيز) لأن الروايتين من العلامات الهامة التي أشرت الطريق إلى التحولات التي طرأت على كتابة الرواية في الغرب وتعتبر رواية (الحارس في حقل الشوفان) بداية وأنموذجا للكتابات التي عرفت فيما بعد بكتابات الغاضبين ولقد عبر جيل الرفض في أميركا عن تبنيه لهذه الرواية حين رفع شعار (كلنا هولدن لفيلد) وهو اسم بطل هذه الرواية.‏‏‏

تعبر هذه الرواية عن الاشمئزاز والتقزز الاخلاقيين اللذين يعاني منهما صبي في السادسة عشر من عمره تجاه المجتمع الأميركي الجميع مثيرون للتقزز والسخط عدا الاطفال إن مفتاح هذه الرواية هو كلمة ( الزيف) التي تتردد خلال الرواية كلها باستثناء الاطفال الكل مزيفون.‏‏‏

التمرد بصيغة الغضب والاستحقار والنبذ لعوالم الكبار لكل ما يرونه شيئا مهما أو انجازا بحد ذاته فنجده يكره هوليود:(لا أكره شيئا كما أكره أفلام السينما لا أطيق أن أسمع كلمة عنها).‏‏‏

وبعد أن يلتقط القارئ خيط السرد تتوالى الصدمات الجميلة التي تأتي مع البطل كما لو أنها عفو الخاطر:(نسيت أن أقول إنهم قد طردوني من المدرسة ولهذا لن أعود اليها بعد إجازة الميلاد لقد رسبت في أربع مواد من خمس ولأنني لا أولي الدراسة اهتماما كانوا قد ارسلوا لي عدة انذارات خاصة بعد الامتحانات الفصلية عندما أتى والداي رغم ذلك أهملت الدراسة وهكذا طردوني).‏‏‏

كل ما حوله كان يراه ليس إلا حماقات وكل ما كان يعد رمزا للرجولة سخر منه فنجده مباشرا وصريحا في أبسط الأشياء وتتجلى وقاحته الأدبية المشغولة باحتراف عالي المستوى لدى تعريفنا بأهله:( أخي يزورني في نهاية كل أسبوع تقريبا عنده سيارة من نوع ( الجاغوار) وبها سوف يأخذني إلى البيت وقد يكون ذلك في الشهر القادم وهذه السيارة إنكليزية الصنع وبإمكانها أن تنطلق بسرعة مئتي ميل في الساعة ويبلغ ثمنها حوالي أربعة آلاف دولار وهو يملك الكثير من النقود حاليا ولم يكن كذلك في الماضي).‏‏‏

صراحة في أحيان كثيرة مفجعة صراحة طفل لا يعرف المجاملة ولا تهمه الكياسات الاجتماعية لهذا يعد سالنجر أهم الذين سخروا موهبتهم لنقد عقد الستينيات في أفق التدخل الأميركي في فيتنام لقد كان حلم البطل هولدن كولفيلد أن يعيش في كوخ في طرف غابة حيث لا يلقى أحدا من البشر والأمر المثير للدهشة وبنفس الوقت للتأمل أن المؤلف ذاته - سالينجر- قد حقق هذا الحلم فيما بعد لقد انتزع نفسه من المجتمع الأميركي ليعيش في كوخ على طرف غابة لايرى أحدا من البشر وحتى زوجته لا تتصل به إلا من خلال التليفون.‏‏‏

الرواية ترجمة الراحل غالب هلسا - صادرة بطبعة جديدة عن دار المدى‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية