وتقول الحكاية: إن المصاب الذي أسعف إلى مشفى دمشق إثر حادث سير طلب من الشرطي (همسا) أن يأخذ مفتاح بيته من جيبه ويذهب إلى العنوان الذي كتبه له بخط يده على ورقة ليحرر عشيقته التي أقفل عليها باب الشقة على سبيل المزاح ريثما يعود إليها بما لذ وطاب من طعام وشراب.
وامتثل الشرطي لطلب المصاب الذي لم يكن يستطيع مغادرة المشفى بسبب إصابته بكسور في الحوض وذهب إلى العنوان الذي كتبه له على الورقة ليفتح باب الشقة بالمفتاح الذي أعطاه إياه ويكتشف فجأة وبلا مقدمات أن هذه العشيقة زوجته!!
ومن هول المفاجأة ووطأة الصدمة لم يشعر بنفسه وهو مذهول بما حدث إلا وقد استل مسدسه على خصره ليفرغ رصاصته فيها وهو لا يكاد يصدق أن حكم القدر وحده من قاده برجليه إليها ليضعه وجها لوجه أمام خائنته متلبسة بجرمها.
هذه الحكاية على ما فيها من قسوة ودموية حدت بنا بعد الخروج من المحكمة إلى التطرق لموضوع الخيانة الزوجية من هذا المدخل بالذات وكيف أن بعض النساء تنحدر من درجات التقديس والرفعة والطهارة إلى درجة الوضاعة والدعارة فتفقد كرامتها وسمعتها وحياتها في جريمة تهز كيان المجتمع وتقطع أواصر الأسرة.
ورغم علمنا ونحن نتابع مجريات محاكمة بطل هذه القصة بأنه قد يحصل عاجلا أم آجلا على العذر المحل من العقاب, وفي أضعف الإيمان قد يحظى بالعذر المحل المخفف.. إلا أننا ألفينا أنفسنا نقلب الحكاية ونسأل أهل القانون والمعرفة:
هل تستفيد الزوجة من ذات العذر المحل أو المخفف فيما لو فاجأت زوجها في جرم الزنى المشهود?.
سنجيب عن هذا السؤال بعد استعراضنا مع المحامي بديع السيوفي نظرة التشريع السوري في هذا الأمر.. يقول السيوفي:
نص قانون العقوبات في المادة /548/
1- يستفيد من العذر المحل من العقوبة من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو اخته في جرم الزنا المشهود وفي صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد.
2- يستفيد مرتكب القتل أو الإيذاء من العذر المحل المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر.
ومنه يتضح أن المشرع قد منح الزوج العذر المحل من العقوبة من جريمة القتل أو الإيذاء بشرط أن يكون عنصر المفاجأة هو السبب الرئيسي, بشرط أن لا تكون هذه الواقعة مصمم عليها. إذ نص المشرع أن القتل في هذه الحالة يجب أن يكون بعنصرين المفاجأة وبغير عمد.
والغريب -على حد قول السيوفي- أن تبدل الجناية بجنحة,إذ عاد المشرع السوري ونص في الجرائم التي تمس الأسرة, ومنها الجرائم المتعلقة بالزواج,والجنح المخلة بآداب الأسرة.
إذ نص في المادة /473/ على ما يلي:
1- تعاقب المرأة الزانية بالحبس من /3/ ثلاثة أشهر إلى /2/ سنتين لأن في هذه الحالة لم يفاجىء الزوج بها في جرم الزنا فنقل المشرع ذلك ليد القضاء الذي بدل الجناية بجنحة.
2- يقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.
3- خلافاً للقرار القضائي والجنحة المشهودة لا يقبل من أدلة الثبوت على الشريك إلا ما نشأ منها عن الرسائل والوثائق الخطية التي كتبها.
ونصت المادة 475 منه:
1- لا يجوز ملاحقة فعل الزنا إلا بشكوى الزوج واتخاذه صفة المدعي الشخصي, وعند عدم قيام الزوجية فتتوقف الملاحقة على شكوى الولي على عمود النسب واتخاذ صفة المدعي الشخصي.
2- لا تقبل الشكوى من الزوج الذي تم الزنا برضاه.
3- لا تقبل الشكوى بانقضاء ثلاثة أشهر من اليوم الذي اتصل الجرم بعلم الزوج والولي.
4- إسقاط الحق عن الزوج أو الزوجة يسقط دعوى الحق العام والدعوى الشخصية عن سائر المجرمين. (بمن فيهم شريكها بالزنا).
5- إذا رضي الرجل باستئناف الحياة الزوجية تسقط الشكوى.
والغريب:
أن المشرع الذي حدد من له الحق بتقديم الشكوى بالمرأة المتزوجة وغير المتزوجة الزانية قد أهمل حق المجتمع والحق العام الذي يحمي ويصون الحقوق والأخلاق لسلامة المجتمع من الرذيلة والجريمة والاعتداء.
والسؤال: هل تقديم الشكوى عما ذكر يكفي لوحده لمعاقبة المرأة الزانية..?
وهل مجرد علم الزوج بما تقوم به زوجته من خيانة تكفي لتقديم الشكوى.. لمعاقبتها بثلاثة أشهر..? وهل هذه العقوبة رادعة لأمثالها.
من وجهة نظر أخرى
ترى المحامية سميرة الأسمر أن المادة 548 من قانون العقوبات التي أحلت من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود من العقاب قد غطت على كثير من الجرائم التي ألبستها لبوس الشرف.
فعلى سبيل المثال استطاع أحد الأزواج الذي أراد التخلص من زوجته الثرية ليرثها استدراج أحد متعامليه إلى منزله ومن ثم قام بقتل الأثنين معا -( المتعامل وزوجته)- وضعهما بعد أن جردهما من ملابسهما في سرير الزوجية ليبدو الأمر وكأنه جريمة شرف.
وفي قضية أخرى:
استحصل شقيق قتل شقيقته التي شاهدها تتحدث مع شخص خارج الدار, استحصل على تقرير يثبت أنها حامل مع أنها بكر فقط ليستفيد من العذر المحل المخفف من العقاب.
في حين لم تستفد امرأة فاجأت زوجها يخونها في فراش الزوجية مع أعز صديقاتها في قضية أخرى من أي عذر محل أو مخفف من العقاب واعتبرت قاتلة مع سبق إصرار وترصد وحكمت بالإعدام ولظروف القضية خفضت عقوبتها إلى السجن المؤبد.
ومن هنا أرى ضرورة إعادة النظر بالتشريع الذي خفف العقوبة في مثل تلك الحالة عن الرجل وأغفل المرأة وهي كتلة من المشاعر والأحاسيس المتأججة حيال هذا الموضوع الذي يمس كيانها وأسرتها وكرامتها وكبريائها, فالخيانة خيانة أينما وجدت وكيفما تجسدت بالذكر والأنثى على حد سواء والتمييز بالقانون والعقوبة في هذا الشأن ما بين امرأة ورجل ثغرة علينا ردمها.
معالجة الأسباب والموجبات
الباحث الاجتماعي كريم معلا يرى ختاما أن مكافحة الخيانة الزوجية ليس في تشديد العقوبات بقدر ما هو في معالجة الأسباب والموجبات سواء بجانبها الطبي - كالعنانة والشبق الجنسي- أو بجانبها النفسي كالطلاق العاطفي والاغتراب في العلاقة الزوجية أو بجانبها المادي في الزواج غير المتكافئ بالسن والمستوى الاجتماعي والثقافي ويرى معلا أخيرا أن - الصدق- يبقى عنوان العلاقة الزوجية وينزه الطرفين من الزلل فعندما يشعر أحد الطرفين بالغبن في العلاقة الزوجية عليه المكاشفة والمصارحة وطلب الطلاق عندما يتعذر وجود الحل, فذلك اسلم لكيان الاسرة والمجتمع وأدعى للاحترام وصيانة الشرف والاخلاق.