فقد كان دهان الجدران سيئا وهذه ليست مشكلة قريبنا فقط بل هي شكوى بل مشكلة سورية فعدد كبير ممن يعملون في مهن كهذه دخلاء على الصنعة أو المهنة لأنهم لم يتعلموها ويمارسوها وفقا للأصول.
ولم ينجح التعليم الفني الذي تم توجيه قسم كبير من الطلاب إليه بعد الإعدادية بحل هذه المشكلة حيث يمارس الكثير من الشباب السوريين مهنا لم يتعلموها نقلا عن آبائهم وأجدادهم أو في مدارسهم أو معاهد متخصصة, وإنما لجؤوا إليها كمخرج لكسب لقمة العيش أكثر منها وسيلة لتحقيق الذات والإبداع, يقول عدنان الذي يعمل نادلا في بوفيه إحدى المؤسسات الحكومية إنه لم يتجه لتعلم صنعة عند حداد أو نجار لأن تعلم مهنة كهذه متعب جدا ويستدعي فيه أن يكون معي رأسمال أقله مئة ألف ليرة سورية لأشتري العدة وأفتح ورشة خاصة بي.
أما بالنسبة للشبان الذين يكملون تعليمهم الجامعي فإن لم يحصلوا على الكليات (النخب) أي الطب والصيدلة والهندسات فيدرسون فروعا أخرى حتى لو لم يكن لها تعيين بعد التخرج, إلا مؤخرا بدأت تتغير النظرة قليلا وليس كليا يقول اسماعيل -غ: لقد درست الاقتصاد حسب علاماتي وليس حسب رغبتي, وكان ما يهم أهلي أن أحصل على شهادة جامعية دون أن يوجهوني لمهنة معينة, وأنا اليوم أعمل محاسبا في شركة خاصة ولا أعتبر مهنتي خيارا بل واقعا, مثلا كنت أفضل الهندسة الكهربائية, ولكن أيضا كشهادة ولم أفكر بمهنة لف المحركات مثلا, ولكن اليوم يمكن أن أوجه أخي الأصغر, أو ألفت انتباهه ليبدأ من أثناء دراسته بالتخطيط لمهنة المستقبل وما يمكن أن يقوم به من أجلها.
إلا أن هناك عددا يهرب إلى مهنة ما بسبب فشله في المدرسة من جهة وضغط الأهل من جهة أخرى خاصة إذا كانت مربحة كصيانة الأجهزة الكهربائية فأبو وسيم دفع بابنه إلى إحدى الورش القريبة وتعلم الولد كما يقول الأب إلا أن -المعلم- طلع روح الولد وكأنه يعمل عنده بالسخرة فترك وعاد مكرهاً لإعادة التاسع.
أخجل لأن ابني بلاط!!
يرى الدكتور فضل الشيخ أستاذ علم الاجتماع التربوي في جامعة دمشق والذي يعمل حاليا معاونا لرئيس المكتب المركزي للإحصاء: إن التحويل فجأة إلى تعليم مهني ليس حلا, لأنه لا تتوافر البنية التحتية لذلك فلا يوجد ورش نجارة وحدادة تستوعب جميع الطلاب, والقضية تحتاج إلى العمل على تغيير قناعات الناس, ماذا فعلنا من أجل خلق نظرة جديدة عند الناس تجاه المهن, فالأهل يقبلون أن يكون ابنهم معلم مدرسة, لكنهم يخجلون إن كان بلاطا مثلا, أما في الأرياف فلا يقبل الابن أن يساعد أهله في قطف الزيتون, ثم ما المهن التي يمكن للفلاح أن يوجه ابنه نحوها? هل هي البنوك, أو الصياغة, وهناك أناس يعلمون أبناءهم مهنة ليس بسبب الفقر, وإنما تحسبا للمستقبل لأن المهن أمان من الفقر, هذا أولا وثانيا العمل على تغيير بنية التعليم ليصبح ملائما لسوق العمل, لقد كان هناك مرحلة التشجيع على التعليم, لكن اليوم هذا لا يناسب يجب أن يكون التعليم حسب ما تحتاجه الدولة, وما يحتاجه سوق العمل, ولولا معلم الصف مثلا لكان خريجو التربية لا يجدون لهم عملا ورغم ذلك هناك طلاب وأهالي يملكون نظرة مستقبلية ويدعمون دراستهم بمهارات إضافية كتعلم اللغة والكمبيوتر, والفتاة التي تدرس صيدلة وتدعم دراستها باللغة الانكليزية تفتح لنفسها باباً في العمل مع شركات ولتتخصص أكثر.
العريس أفضل!!
وتشترك دانية عشي مع الدكتور فضل فيما يتعلق بتوعية الأهل وهي المشرفة على برنامج تعرف إلى عالم الأعمال في مشروع شباب والذي ينفذ في المدارس المهنية, وكما تقول: الفتيات لا يجدن التشجيع من الأهل ولا من بعض المدرسين, ففي التعليم الفني النسوي يقولون لهن: وما يعني إن تعلمت الخياطة أو التطريز, إذا تركت وانتظرت العريس في البيت أفضل لك, لا بد من توعية الأهل.
إذا لم أترفع خلال سنتين فهذه مشكلة مديري
أما رضوان الذي يعمل في البرنامج مع شركات ومؤسسات خاصة فيرى أن اليوم بدأت تنتشر ثقافة نقل المعرفة إلى المرؤوس وهناك مقولة: إذا لم أترفع خلال سنتين فالمشكلة في مديري الذي لم يعلمني, وهناك فرص مهمة للعمل في القطاع الخاص ولكن هناك نقص خبرات ومهارات عند طالبي العمل, وهي ليست تقنية ولا علمية مثل التواصل والقدرة على الحوار المفتوح والتقديم, وهذه المهارات عند فقدها تقف عائقا أمام فرصة العمل.
ويقول الدكتور فضل: لو كان هناك ورش أو شركات تشرف على عمل الحرفيين لانتظمت المهن أكثر.
تشير خبرات مختلف الدول ومن بينها بنغلادش أن الورش والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تتم من خلالها ممارسة مهن حرة تشكل العمود الفقري للتخلص من البطالة في صفوف الشباب, وتشير الإحصاءات إلى أن هذه المهن قادرة على استيعاب أكثر من ثلثي هؤلاء البلدان التي تقدم لهم الحوافز المادية والمعنوية المناسبة, وإضافة إلى هذه الحوافز فإن النجاح في بلدنا يتطلب التخلص من (ثقافة العيب) و(احتقار) السائدة في المجتمع تجاه بعض المهن والاستفادة من البرامج التي بدأت تقدمها الدولة إضافة إلى الإقدام على مشاريع تقوم على الإبداع والريادة.