|
قراءة في حدث..دمشقنا ودمشقهم! آراء دمشق صنعت تاريخ سورية المقاومة والصمود. صنعته بجغرافيتها الأصيلة الى حين أنتجت السياسة الاستعمارية, وتحديدا بعد العام 1916 عام تحرير اتفاقية سايكس-بيكو المشؤومة جغرافيتها الحديثة كما هو معروف. وحين صنعت دمشق تاريخها, لم تغفل تاريخ الأمة العربية عموما, فكانت لها الريادة, ولسنوات طويلة, في مقارعة الاستعمار وهزمه الى أن تحقق استقلال العرب عن أسيادهم الذين فرضوا أنفسهم على بلدان المنطقة بالقوة في أغلب الأحيان, وأحيانا بالترغيب واتباع أساليب الاحتيال. إن قارىء تاريخ المنطقة العربية عموما وسورية خصوصا يدرك جيدا ماذا تعني عبارة دمشق قلب العروبة النابض, وذلك كونها رأس الحربة التي طعنت أطماع الغرب المستعمر عندما جثم بثقله البغيض على صدور أبناء المنطقة وبددت أحلام (أزلامه) الى غير رجعة. وأقول بغير الرجعة وإن تكن ثمة بوادر تلوح في المنطقة لاسترجاع بعض أطياف الاستعمار في وقتنا الحاضر إليها وللأسف الشديد على أيدي أحفاد وأبناء أحفاد الذين كانوا في صفوف المقاومة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وفي أوائل القرن العشرين وتنكروا لهم اليوم. دمشقنا نحن نزهو بها ونفتخر. ولكن ماذا عن دمشقهم? ماذا عن دمشق التي تحتل مواقعها في تسع ولايات أمريكية هي: ألاباما. أركانساس.جيورجيا.ماريلاند.نيويورك.أوهايو.أوريغون.بنسلفانيا. وأخيراً فيرجينيا? ماذا عن دمشق المدينة التي استطاعت, ليس استنادا الى القوة المادية بل الى نفوذها الثقافي وشهرتها التاريخية, أن تحتل مواقعها في تلك الولايات البعيدة? ربما كان واردا القول بعامل الهجرة الشامية الى تلك الولايات في زمن مضى, ولكن يبقى ألق التاريخ والتراث هوالأكثر تأثيرا هنا بطبيعة الحال, كما هو حال التوءمة بين مدينتين في وقتنا الراهن على سبيل المثال. فدمشق الشام منذ أن عرفتها الأيام قبل آلاف السنين وبقيت حية وماثلة في الذاكرة البشرية وفي سجلها العتيد الى هذا اليوم, حين تتمثل واقعا -وإن يكن بالاسم- على الأراضي البعيدة عن موطنها الأصلي, لا بد أن يعني ذلك شيئا في نظر مؤرخي العصر الحديث, وبالتالي ينبغي أن يعني لهم ذلك شيئا, ولكن في مقدمة ما يعنينا نحن أبناء المنطقة, هو أن محاولات طمس المواصفات التي تلتصق بهذا الاسم من سجل التاريخ سبق أن باءت بالفشل كذلك هي ستبوء بالفشل مع بدء كل محاولة تتجدد في هذا السياق. فدمشقنا كانت البدء بين أسمائها الأخرى في الولايات المتحدة الأمريكية, على نحو ما ذكرت, ومن هنا تبقى الرائدة في مجال الحدث السياسي المحلي والاقليمي والدولي في الحاضر وفي المستقبل, كما هي تبقى قلب العروبة النابض اليوم وفي كل يوم آت. ويبقى على سكان تلك الولايات الأمريكية واجب قراءة تاريخ دمشقهم الأم كي يكون لهم دورهم في التأثير على نهج سياسة قادتهم, كما ينبغي أن يكون, استنادا الى عامل الثقافة لا الى عامل القوة. Dr-louka@maktoob.com
|