وبالتالي لم يكن طغيانهن إلا من النوع الإيجابي المؤثر والحيوي المنتج.. المساعد له بتفعيل زخم الكتابة وتطعيم حياته بنفحة حب لم يقصّر يوماً بالبحث عنها ومحاولة اقتناصها.
لم تخنه الذاكرة في انتشال نماذج نساء عاش معهن.. ولربما اختلط الأمر على من قارب حياة الأديب وقرأ عموم أدبه.. فهل كانت بطلات أعماله شخصيات واقعية حرّكن الساكن من حوله.. وأثرن مشاعره.؟
بين نسائه الحقيقيات ونسائه الخياليات.. هل أجاد سوليرز رقصة الأدب المحبوكة بعناية من واقع وتخييل.. هو المتهوم الدائم بعدم مقاربة قلمه لأي شيء لا يرتبط بالنساء.. ويشهد على ذلك الكثير من عناوين رواياته وموضوعاتها التي قاربت وناقشت حال المرأة.
آخر عمالقة الأدب الفرنسي.. كما يُلقب فيليب سوليرز.. لم يبتعد عن موضوعته الأثيرة في آخر إصداراته (بروتريهات نساء) عن دار فلاماريون 2013م، الذي لا يبدو سوى خوض بموضوع سابق ومعروف لقرّائه.. وفيه يستعيد بعضاً من مراحل حياته وبعضاً من المواقف التي جعلته على هذه الخلاصة التي آل إليها.
يفلش في هذا الكتاب أسرار علاقاته مع نساء سواء أ كنّ من عائلته أم نساء أخريات تعرّف إليهن كما اقتضت صدف الحياة أو بداعٍ من شغف الكتابة لديهن.. لا ينكر أنهن ساهمن بصناعة أسطورته الخاصة.
بالكتاب أيضاً شغف من نوع آخر.. فيه حديث عن الفن عموماً، و الإيطالي منه على وجه الخصوص.. و من هذا القبيل يأتي ولعه بمدينة فينسيا.
لدى سوليرز.. تنبع الحياة الحرة من العشق.. ثم يكون الإبداع.. فلا إبداع دون عشق.. ثلاثية حكمت حياته لكنه عرف تماماً كيف يضبط إيقاع عيشه ضمن أوتار مثلثه المقدس هذا.. فهل سخّر كل حياته، بما فيها من تجارب حب و غيرها، إلى كونها مختبراً يُنتج له الأدب؟
غالباً.. كانت حياته الواقعية الخاصة وسيلته وصولاً إلى إغناء قريحته الأدبية.. يقول: (في العشق، مهما حدث، حتى و إن اقتربنا من تخوم الفاجعة والجنون، فإننا نلامس بطرف الإصبع هزيمة الموت).
من النساء اللواتي كن بطلات لأعماله تبرز: أوجينيا الإسبانية، وهي والدته بطلة عمله الأول (عزلة مثيرة) بترجمة أخرى (عزلة فضولية)عام 1958م.
كتب (ثلاثون عاماً من عشق مجنون ) وأهداه إلى الكاتبة والروائية دومينيك رولان التي كان على علاقة سرية بها بدأت و هو في الثانية و العشرين و هي بعمر الخامسة و الأربعين.. استحضرها كما استحضر علاقته معها في أكثر من عمل لاسيما في (عشق ثابت).. و يُقال إنها البطلة الواقعية لشخصية ميتا في روايته (كنز العشق).
وتلك التي جاءت من بلغاريا إلى فرنسا بقصد إعداد أطروحة عن الرواية الحديثة.. جوليا كريستيفا التي أصبحت روائية و واحدة من مشاهير علماء النفس عالمياً.. تزوجا بصمت عام 1967م.
وفق ذلك يبدو لسوليرز حيوات من عشق برع باستثمارها أدبياً.. وهو في كل ما أنتج بقي وفياً لماضيه.. لذاكرته.. وللنساء اللواتي جعلنه كما هو الآن.
بعمق.. يبدو أدب سوليرز ميداناً يناقش عبره القضايا الاجتماعية والتحولات التي تؤثر بعموم المجتمع لاسيما المرأة راصداً التبدلات التي أحاطت بها وكانت مركزاً لها.
و لهذا وعى الكاتب التحوّل والتحرر في العصر الحديث بما يخص المرأة فأراد أن يجاريه لغوياً فترافق التحرر الاجتماعي بتحرر على مستوى اللغة لدى سوليرز الذي بات يبحث عن أشكال جديدة و تفككت البنية في كتاباته كما في روايته (قوانين).. اشتغل سوليرز على موضوع تفكيك اللغة وتدميرها في بحثه «الكتابة وتجربة الحدود» ومما قاله فيه: (أن يكون لكتابتنا هدف واحد وهو التدمير المستمر للقواعد والمعتقدات التي تخفي كتابة الرغبة).
ويعتبر أن للكتابة تأثيراً كبيراً على العالم، إذ يقول إن الكتابة (لا تهدف إلى تفسير هذا العالم إنما تغييره).
و تناول سوليرز علاقته باللغة في روايته «مسافرون عبر الزمن»: (أركز على كلمة «كلمة». أراها هناك، في خط التسديد. هي تتنفس، تنمو. أستهدفها، أريد لمسها وخرقها. كلمة ).. وكأنما يشخص الكاتب اللغة يمنحها حياةً.. فباتت الكلمة إنساناً يتنفس ويكبر. إنها حركة الكلمة الدائمة التي تتحول على غرار الإنسان.
لسوليرز عدد هائل من المؤلفات في الأدب والنقد.. وهو من أهم مؤسسي دار غاليمار (البنك المركزي للأدب ).. وكان له دور كبير بتأسيس مجلتي (تيل كيل) و(لانفيتي).