تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ربما التقطها مثله ..

الثلاثاء 4-6-2013
سعد القاسم

هل تتخيل أي طلبات يمكن أن يطلبها عصفور ضعيف من مارد القمقم؟

لن يدعك باسم سليمان تفكر طويلاً في الجواب.ففي (الأمنية الرابعة) القصة التي يستهل بها مجموعته القصصية (لسان الضفدع) سيقدم تصوره لما يمكن أن يطلبه كائن حي ومذعور، يحلم بالأمان، وإن أمكن.. بالانتقام، ممن يستطيع تغيير حاله..ليدهشك في نهاية (حكايته) الأولى بالمسار الذي اتخذته..وليدفعك للبحث عمن يشبه هذا العصفور في حاله وتحوله..‏

ولن تجد بين دفتي المجموعة قصة بالعنوان الذي تحمله،وهو ما يجب أن يجعلك تفكر بالسبب الذي دفع القاص لاختيار هذا العنوان !! وقد تجد أن أقرب الاحتمالات يتصل بما نعرفه عن السرعة الفائقة للسان الضفدع في التقاط مراده (وهي عند القاص فكرة تحوم في فضاء الخيال) في مقاربة بين عالم الحيوان وعالم الجنس البشري، شبيهة بما فعله الحكيم الآسيوي القديم، حين أجرى أفكاره على لساني ثعلبي (كليلة ودمنة). خاصة وأن عدداً غير قليل من قصص المجموعة تدور أحداثه في عالم الحيوان: (الأمنية الرابعة)،(ترجمة)،(ما يقوله صياح الديكة)،(حكمتان)،(تكون أو لا تكون) وإلى حد ما (الجعل) رغم أنها تدور في عالم إنساني ..إلى حد ما..‏

لكن هذه القصص السابقة لا تعطي سمة المجموعة بقدر ما تظهر تنوع عوالمها القصصية، سواء أردنا الحديث عن أماكنها،أو طبيعة الأشخاص،أو أساليب السرد..حيث تنوس هذه العوالم بين ما هو مبني على المعرفة بطباع الكائنات التي تعيش على كوكبنا،ومنها الإنسان،إلى ما تقدمه الرؤية العلمية المستقبلية من احتمالات اعتدنا تسميتها بالخيال العلمي..وجميعها تبدو وسيلة لغاية واحدة، قد تتخطى هم تقديم عمل إبداعي أدبي (رغم أنها تفعل ذلك) باتجاه التعبير عن فكرة إنسانية عميقة تكشف عن قلقها الكبير على مصير الإنسان وكوكبه، سواء كان ذلك بفعل تدميره الأحمق لهذا الكوكب، أو بفعل الانهيار المرعب للمنظومة الأخلاقية الجمعية..‏

في تنوع عوالم باسم سليمان القصصية ما يمنح سرده الممتع تشويقاً إضافياً،ففي حين تلزم كتابته النقدية القارئ بالتوقف والتأمل ملياً بكل جملة يسوقها، فإنه في كتابته القصصية يمتلك انسياباً ساحراً يجعل القارئ ينقاد متحداً مع القصة منذ كلمتها الأولى، وحتى نقطة النهاية،فيما القلق الذي أشير إليه قبل قليل لا يترجم نفسه بعويل أو نواح، وإنما بروح هادئة متأملة تجنح أحياناً نحو سخرية مباشرة أو عميقة أو سوداوية،إلا أنها في كل حال لا تفقد رفعتها الأدبية..‏

ماذا يريد الكاتب؟..هذا السؤال الذي كثيراً ما يلي قراءة نص ما ليس له مكان هنا حين يكون بمعنى الانتقاص من فكرة القصة،أو مغزاها،أو غايتها..وإنما يحضر بقوة بشكل السؤال المتأمل الذي يتكون جوابه سريعاً،أو بتمهل،أو بشكل تعليق ساخر مثل « احذروا تمكين الصراصير من المعرفة» ..قد يطلقه أحدهم عقب انتهائه من قراءة قصة (تكون أو لا تكون).. ففي مسارها وأحداثها ما يبني على حقيقة علمية حدثاً متخيلاً مفزعاً.. ثم يفتح أمام القارئ المجال واسعاً لاستنتاجات وفيرة..مثلها في ذلك مثل كثير من قصص المجموعة..‏

إن السخرية التي تطل بين حين وآخر من قصص المجموعة لا تُختصر في جملة عابرة، أو تعليق سريع،إنها تتجلى أساساً في قدرة باسم سليمان على التقاط المفارقة الذكية،كما في إدراك العصفور لفرصته الحقيقية المأساوية،بعد أن كادت تضيع الفرصة، واكتشاف سرطان البحر معنى اسمه عند البشر وردة فعله إزاء ذلك، وضيق أفق مساعد العالم العجوز، وفشل الديك في الطيران بعد أن أهمل جناحيه، ومعرفة الصرصار بحقيقة اكتشفها البشر فأدت إلى فنائهم، واحتجاج الرضيع على القماط وهو الذي لم يرتكب ذنباً يبرر تقييده، وتجارة القلوب بمعناها العرفي لا الفيزلوجي، والمقاربة بين صخرة (سيزيف) وكرة الجعل وما تحمله تلك المقارنة من دلالات، ورقصة زوربا القاتلة، وسؤال اللص عن سر معاقبة اليد التي لم تسرق..‏

خمس عشرة قصة ضمتها مجموعة (لسان الضفدع) تكشف عن خيال خلاق لكاتبها، وقدرة أدبية لقول ما يريد،وغنى معرفي وفكري..‏

فلا تقف بذلك عند حدود منح متعة القراءة..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية