فقد بدأ موظفو الولايات المتحدة الأميركية الرسميون والخبراء في التلويح بغضب بأيديهم حول النية المقترحة لتكوين مجموعة متكاملة من الدول الشرق آسيوية و ما يسهم في تعزيز وتوطيد هذه الفكرة هو مؤتمر القمة الذي سيعقد في كوالا لامبور قبل نهاية هذا العام.
غير أن ما أثار دهشة العديد من الشرق آسيويين هو رغبة الولايات المتحدة الأميركية أن تكون ضمن المجموعة..أي أن تصبح أميركا جزءاً من آسيا..إلا أن الأعضاء الجوهريين في هذا الاتحاد هم الصين-اليابان-كوريا الجنوبية بالإضافة إلى الدول العشر المنضمة إلى اتحاد أمم جنوب شرقي آسيا/ إن كل تلك الأمم شهدت أوقاتاً عصيبة بما يكفي لتقرر إذا ما كان يجب أن تنضم الهند أو استراليا إلى المجموعة .
إن الصيغة المبكرة للاتحاد الشرق آسيوي كانت تجري في سرعة وقوة متزايدتين عندما كانت التدابير والأنظمة الاقتصادية تروج لمصلحة هذه القضية بالإضافة طبعاً إلى بعض القادة الآسيويين مثل الماليزي مهاتير محمد الذي قال إن آسيا للآسيويين ونوقشت أفكاره حول المؤتمر الاقتصادي للشرق آسيوي لأول مرة في بداية عام .1990
إلا أن واشنطن لم ترحب بالفكرة على الإطلاق وسارعت إلى حث الأمم الآسيوية بالاستعاضة عن الاتحاد واستبداله بمؤتمر المجلس الآسيوي الباسفيكي للتعاون الاقتصادي الذي شمل كل شركاء آسيا التجاريين بما فيهم أميركا اللاتينية متفادياً أو متغاضياً عن الجغرافيا ,ولكن عندما عصفت واشتدت الضائقة الاقتصادية في آسيا عام 1997 فإن الحديث حول تعاون اقتصادي إقليمي آخر اكتسب حاجة ملحة جديدة وذلك نتيجة للطريقة التي سيطرت فيها السوق الغربية ما أدى الى إحداث ضرر كبير في الاقتصاد الآسيوي عن طريق استخدامها رؤوس أموال واعتمادات مالية عالمية ,وقد ناقشت اليابان فكرة الرأسمال الآسيوي إلا أن أميركا لم توافق وقالت إن فكرة إيداع رؤوس أموالنا في نوع من الاعتمادات المالية الآسيوية هو أمر مرفوض وهكذا تلقى التعاون الشرق آسيوي ضربة موجعة أخرى.
وبازدياد وتعاظم قوة الصين عند نهاية عام 1990عادت فكرة الاتحاد الشرق آسيوي للانتعاش من جديد بمساعدة أشد الدبلوماسيين الآسيويين ذكاء إذ إن التزاوج المتواضع والبسيط الذي توج في اجتماعات قمة عام 1999 ما بين الآسيويين والقوى الثلاث الشمال شرق آسيوية قد تحول منذ ذلك الحين إلى اتحاد طموح ترى فيه الصين طوقاً تجارياً سياسياً أمنياً ومالياً.
وعند هذه النقطة اشتدت المعارضة الأميركية وأصبحت أكثر قوة ولتبرر نفسها ادعت بأن الآسيويين يعتمدون على الفكرة القديمة للمنافسة والتي تسيطر فيها دولة على أخرى أكثر من اعتمادهم على فكرة الاقتصاد الضخم والمدرك.
إن الصين تتحول إلى قوة شديدة الأهمية في المنطقة ولكن الولايات المتحدة التي ترى في نفسها القوة الحازمة في العالم تسأل الآن عما إذا كان بإمكان دولة كالصين أن تلعب ذات الدور. فقد صرح الرئيس الجديد للباسفيك كوماند في الولايات المتحدة الأميركية الأميرال ويليام فالون بأنه لا يعلم إذا ما كان سبب هذا الاتحاد هو التوق الحقيقي إليه أم أنه حالة من التوتر بسبب الخوف أو القلق إلا أن الهدف الحقيقي من الاتحاد الشرق آسيوي-يقول أحد الأساتذة في جامعة شنغهاي- هو تحويل القوة المناهضة في شرق آسيا وجعلها بمثابة النظير لشمال أميركا والاتحاد الأوروبي وجنوب أميركا مقابل المنافسة العالمية من وراء ستارة المسرح الخلفية .
إن الخوف والقلق الذي لم تفصح عنه واشنطن هو أن الاتحاد الشرق آسيوي قام باستثناء الولايات المتحدة الأميركية ولهذا السبب قد يتحول هذا الاتحاد إلى مركز للتحالف ضدها.
وقد شبه أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عن خوفه هذا من بناء جدار متين حول آسيا وفيه شق صغير يسمح للغرب بإيداع أموالهم من خلاله إلا أن الصينيين قالوا:إن الصين ستسمح لهم بالانضمام إذا سمحوا للصين بالانضمام لبعض مراكز القوى الأخرى.
إذ إن الصين تسعى إلى بناء روابط أكثر متانة مع المجموعة الجديدة مقابل حصولها على عضوية في بعض الأندية العالمية المميزة التي تعمل على تنظيم وضبط الأسلحة التكنولوجية والنووية.
هناك طريقة واحدة تمكن الولايات المتحدة الأميركية من الشعور بأنها أكثر اندماجاً واتحاداً مع شرق آسيا دون الخضوع أو الاستسلام. إذ يجب أن يكون المبدأ الاستراتيجي هو زيادة الاهتمام في الأسواق الشرق آسيوية التي هي عضو مشارك فيها خصوصاً أن السوق الإقليمية الآسيوية والتي أسست في عام1990 أصيبت بالضعف وأضناها الوهن لإهمال واشنطن لها وكذلك الأمر بالنسبة لمؤتمر المجلس الآسيوي الباسفيكي للتعاون الاقتصادي الذي فترت همته.
وبينما استطاعت أميركا والصين تجاوز الحدود الجغرافية فإن البقية الباقية من دول شرق آسيا تتطلع إلى المزيد من المناطق التجارية الفعالة وإلى سوق أكثر استيعاباً واتساعاً, إن هذه السوق هي الصين في يومنا هذا وهكذا نسمع أن العديد من الآسيويين يخبرون أصدقاءهم في الولايات المتحدة الأميركية بأن ( لاتحاربوا هذه الوحدة ,دعونا و شأننا) هذا بالإضافة إلى أنه ليس بمقدور المنطقة تجاهل أميركا على الرغم من خوفها وقلقها إزاء الاتحاد الآسيوي وإن شرق آسيا لن يوقف تعامله مع أميركا بعد انعقاد مؤتمر القمة في كوالا لامبور, فهل من مبرر لكل هذا القلق..?