وعن الاهمال والعبث الذي تتعرض له بحجج مختلفة أبرزها عدم وضع امكانات مادية وبشرية تحت تصرف دائرة الاثار بالمحافظة اضافة لاسباب اخرى ذاتية وموضوعية.
واعتقد أن البعض يتذكر مدى ردود الفعل التي صدرت عن المديرية العامة للآثار والمتاحف بعد نشر قسم من المقالات!
نعم لقد كتبنا.. وكتب غيرنا من الزملاء في الصحف الاخرى عن كنوزنا الاثرية.. وكنا نتوقع أن ندفع بالجهات المعنية باتجاه تقديم المزيد من الدعم المادي والبشري لحماية تلك الكنوز والمواقع وترميمها وإعادة تأهيلها ووضعها بالاستثمار السياحي كما هو الحال في مصر مثلا.. ودول اخرى تؤمن موارد ضخمة من زيارات السياح لمواقعها الاثرية! لكن بكل أسف نقول ( ياخسارة- ماكتبنا).. فواقع الحال في مواقعنا الاثرية لايسر الخاطر.. والامكانات الموضوعة بتصرف ( الآثار ) لم تتحسن.. وبالمقابل ازداد لصوص الآثار.. وازداد ( نهب) اللقى الاثرية المختلفة من هذا الموقع أو ذاك.. وازداد العبث.. والاهمال لدرجة أن الكثيرين باتوا يقولون عن أي موقع اثري مال داشر.. وكما تعلمون ( المال الداشر يعلم أولاد الحلال السرقة)!!
آثارنا ( مال داشر).. بعيدة عن الحراسة والتأهيل .. والاستثمار!!
أكثر من 100 موقع في طرطوس 65 منها غير مسجل وإمكانيات متابعتها شبه معدومة!!
100 موقع
ولمن لا يعرف يوجد في محافظة طرطوس اكثر من مائة موقع أثري.. المسجل منها بشكل قانوني 40 موقعا فقط (التسجيل يعني تحديد العقارات.. والموقع وتنظيم اضبارة كاملة له مع حدود الحماية ومن ثم يصدر قرار بتسجيله عن المجلس الأعلى للآثار).. و 65 موقعا غير مسجل.. والمواقع غير المسجلة لا تخضع لشروط منع التعدي عليها.. ومنع الحفر داخلها كما هو الحال في المواقع المسجلة.. ورغم عدد هذه المواقع وانتشارها على كامل رقعة المحافظة بسهولها وجبالها ووهادها.. ورغم الأهمية التاريخية البالغة لاكثرها نجد أن الجهة المعنية بها حماية وحراسة وترميما وتأهيلا ..الخ عبارة عن دائرة صغيرة تدعى دائرة آثار طرطوس ( ليست مديرية) امكاناتها ضعيفة جدا جدا.. فرغم أن عدد العاملين فيها هو 63 بين فني واداري ومستخدم وحارس إلا أنها لا تملك سوى سيارة بيك آب للمدير مخصصاتها الشهرية من البنزين 100 ليتر فقط وهذه الكمية لا تكفي السيارة إلا بضعة أيام إضافة لسيارة بيك اب أخرى مهترئة موديل عام 1975 لا تقدم أيةخدمة تذكر.
و7 دراجات نارية للحراسة الجوالة ( غير المجدية) ومخصصات كل منها 25 ليترا في الشهر!!
والعاملون فيها يشكون من ضعف رواتبهم ومن عدم صرف اذونات سفرلهم عندما يقطعون مسافة تزيد عن 50 كم.. كما أن المهندسين لا يتقاضون طبيعة عمل.. المهم أن الكادر الموجود في تلك الدائرة معطل إلى حد كبير بسبب ما ذكرنا وبسبب ضعف الامكانات وبسبب عدم تعاون الجهات الأخرى معهم!!
نهب وسرقة
قد تكون مناسبة هذا الكلام هو ما تعرض ويتعرض له موقع عمريت الاثري الكائن قرب مدينة طرطوس من الجنوب مؤخرا من عمليات نهب وسرقة من قبل لصوص الآثار لاسيما حيث مدافن عازار التي يخترقها اللصوص المحترفون بشكل شبه يومي ويسرقون منها كل ما يجدونه من فخاريات ولقى متنوعة وحلي.. الخ بالاعتماد على تنقيباتهم الليلية وحفرياتهم اليدوية والآلية !! لكن في الحقيقة إذا كان هذا هو السبب المباشر لكتابتنا اليوم فالأسباب غير المباشرة أكثر من أن تعد أوتحصى..
على أية حال تعالوا لنضعكم بصورة ما جرى في موقع عمريت الأثري ( مدافن عازار) الذي لايبعد عن قلب مدينة طرطوس أكثر من 3-4 كم..
مدافن عازار
ففي بداية شهر شباط الماضي حضر إلى مكتب الثورة المحامي هشام محمود عبد الرزاق ووضع بين أيدينا مذكرة مع صورها أعدها مع المهندس طلال كاسوحة والمهندس انطوان جبور ( الثلاثة من المتطوعين لخدمة الآثار) عن مدافن عازار وقد تضمنت المذكرة فيما تضمنت معلومات عن المواقع مأخوذة من مجلة الحوليات الاثرية السورية المجلد 24 لعام 1974 الصادرة عن المديرية العامة للآثار والمتاحف .. والتي تؤكد مدى أهمية ما اكتشف منها وما يمكن أن يكتشف ..
وجاء في المذكرة: إن ماجرى منذ عدة سنوات في تلك المقابر لأجدادنا الفينيقيين ( الذين عاصروا الفترة الهلنستية) لاشبيه له في العالم.. فهؤلاء الأجداد الذين صدروا الابجدية والحضارة الراقية إلى الانسانية واكتشفوا طرق الملاحة البحرية ورفعوا اسم سورية إلى الاعالي.. أصبحت القمامة الناتجة عن مدينة طرطوس تغطي قبورهم وبقايا عظامهم الجاثمة في مدافنهم النادرة ,والآن وبعد التوقف من قبل مجلس مدينة طرطوس عن وضع المزيد من القمامة تقوم الجرافات بتجميع القمامة تمهيدا لترحيلها وأثناء عمل الجرافات تشاهد آثار تدمير معالم المقبرة بصورة غير مقبولة.
وطالبوا باعادة النظر في هذا الموقع واسعافه من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف لما يحتوي بداخله من مقابر تاريخية ذات طابع هندسي متفرد.. وكلها تتعرض للسرقة والعبث.
وبعد تلقينا المذكرة تابعنا الأمر مع الآثار ومجلس المدينة والجهات المعنية ووعدونا بعدم الاساءة للآثار أثناء تجميع القمامة.. وأكد لنا رئيس دائرة الآثار المهندس مروان حسن يومها أن العمل يتم باشراف عناصر من الدائرة.. ومن خلال المتابعة مع السياحة بشأن تنفيذ ما تقرر في الاجتماع الذي ترأسه وزير السياحة الدكتور سعد الله آغا القلعة للجنة التنفيذية للسياحة بتاريخ 18/12/2004 ولاسيما ما يتعلق بتكليف الهيئة العامة للاستشعار عن بعد باجراء المسح الحراري.. علمنا أن الاجراءات الخاصة بهذا المسح تتم بالتتابع وبالتنسيق مع المديرية العامة للآثار والمتاحف التي باشرت بالتنقيب في بعض الشرائح ومنها الشريحة رقم 5 الكائنة أمام معبد عمريت من جهة البحر والتي عرضت لوحدها في ملتقى سوق الاستثمار السياحي الأول الذي انعقد في دمشق الشهر الماضي.. المهم اننا تريثنا بالنشر لكننا لم نتريث بالمتابعة والملاحقة.. ومنذ أيام وبسبب ما سمعناه عن عمليات نهب وسرقة جديدة من (مدافن عازار) في ظل غياب اهتمام الجهات المعنية .. الاهتمام المطلوب من آثار وغيرها.. توجهنا إلى الموقع مع رئيس دائرة آثار طرطوس وهناك وجدنا احدى البعثات الوطنية تقوم بالتنقيب ضمن الشريحة 2 من عمريت علها تضع يدها على بعض ما تركه اللصوص في المدافن ذات الشكل المعماري الفريد.. وعندما سألناهم عن الوضع قالوا انهم انتقلوا من الشريحة رقم 5 التي تديرها وزارة السياحة بسرعة إلى هذه الشريحة بعد أن نهب اللصوص العديد من آثارها ليلا وعلى مدى الايام والاسابيع السابقة وأشاروا لنا إلى الكثير من المواقع التي حفرها هؤلاء اللصوص ونقبوا بها دون أي إجراءات وقائية أو رادعة من قبل السلطات المختصة وكأن لا أحد يهمه هذا الامر.
وخلال تواجدنا تم اكتشاف جاروشة قديمة للقمح شكلها مميز وهي من حجارة البازلت واكد لنا أعضاء البعثة أن هذا الموقع يحتاج للمزيد من الاهتمام والامكانيات والحراس النهاريين والليليين والا سينهب بالكامل وقد سألهم رئيس دائرة الآثار فيما إذا كانت تأتي للموقع دوريات شرطة.. فأجابوا إن الحراس الليليين الذين وضعوا في الموقع مؤخرا ولاسيما بعد سرقة 13/4/2005 قالوا لهم : كلا لا يأتي أحد.
لاتغطية أمنية
وقبل وخلال الجولة سألنا رئيس دائرة الآثار عن هذا الواقع واسباب عدم حماية الموقع.. وبالتالي اسباب هذه السرقات فقال: بعد أن لاحظ اللصوص أننا بدأنا التنقيب في المنطقة من أجل السياحة رفعوا من وتيرة عملهم ليلا ليسرقوا ما يمكنهم سرقته من لقى فخارية واثرية وحلي وغير ذلك..
وباتوا يشكلون رعبا حقيقيا لنا ولحراسنا وذلك بسبب عدم وجود تغطية امنية للموقع رغم أن السيد وزير الداخلية عمم الى قيادات الشرطة في المحافظات بالكتاب رقم 287/ص تاريخ 16/3/2005 وطلب إليهم مؤازرة الآثار وتسيير دوريات وحماية الاثار من السرقات.
وقال إن سبب السرقات يكمن في ضعف الامكانيات وفي عدم مؤازرتنا من الجهات المختصة بالسرعة المطلوبة!!
وسألناه ما الاجراء الذي قمتم به لمعرفة اللصوص الذين سرقوا المدافن لاسيما في 13/4/2005 ولمنع تكرار ذلك لاحقا?
أجاب: وجهنا كتبا لكل من الادارة العامة وقيادة شرطة طرطوس في نفس اليوم شرحنا في كل منها أهمية موقع عمريت الاثري المسجل بالقرار 149/آ لعام 1988 وموقع مدافن عازار التاريخية والاثرية التي تعود للعصور الفينيقية القديمة وذكرنا أن التعديات العديدة لهذا الموقع ادت وتؤدي إلى تشويه وتخريب المعالم الاثرية الهامة.
ومما جاء في الكتاب الموجه الى السيد قائد الشرطة والذي تمكنا من الحصول على نسخة منه ما يلي:
بما أن موقع عمريت ومدافن عازار الواقعة ضمنه ينتشر على مساحة كبيرة ويوجد فيه العديد من الاشغالات التي تسيء إلى الموقع كمكب النفايات, وخيم البدو, ورعاة الاغنام اضافة إلى وجود عدد من المباني التابعة لمؤسسات القطاع العام.. فهناك صعوبة كبيرة في السيطرة والمراقبة على كامل مساحة الموقع ما يؤدي إلى قيام بعض العابثين بأعمال تنقيب سري في الموقع. وكون هناك مجموعة عمل (بعثة وطنية) تقوم بأعمال الكشف والتنقيب في موقع عمريت الشريحة رقم 5 يتم اجراء كشوفات وجولات مستمرة على كامل الموقع من قبل اعضاء البعثة وحراس الموقع حيث ابلغنا المشرفون على أعمال البعثة من خلال هذه الجولات وجود أعمال عبث وتخريب وسرقة في عدة مواقع ضمن منطقة مدافن عازار وتبين مؤخرا وجود عبث وتخريب وتكسير لتوابيت فخارية هامة بعد أن تم انتزاعها من داخل معازب أحد المدافن الجماعية في الموقع وهذا ما يعتبر عمل تنقيب سري وسرقة آثار ومخالفة لقانون الاثار لذا يرجى الايعاز لمن يلزم للكشف الفوري على الموقع وتنظيم ضبط أصولي بالحادثة اضافة الى تسيير دوريات مستمرة على الموقع لمنع وقمع عمليات التنقيب غير المشروع عن الآثار أو سرقتها وذلك تنفيذا لماورد في التعميم رقم 287/ص تاريخ 16/3/2005 الصادر عن السيد وزير الداخلية.
إن الكتاب الموجه من الدائرة إلى مدير عام الآثار والمتاحف فقد تضمن الاشارة إلى أن الدائرة وجهت عدة مراسلات للجهات المعنية لقمع المخالفات والتعديات في الموقع وترحيل البدو وملاحقة منقبي الآثار غير الشرعيين ومع ذلك لم يتم اتخاذ اجراءات رادعة ونهائية من قبلها ما تسبب في تخريب المعالم والمدافن الاثرية اضافة إلى سرقة محتواها.
اقتراحات
واقترحت دائرة الآثار ما يلي:
1- مخاطبة وزارة الداخلية لتأمين نقاط حراس مسلحة من الشرطة موزعة على عدة اماكن في موقع عمريت ومدافن عازار.
2- مخاطبة وزارة الداخلية لتسيير دوريات ليلية بشكل عاجل تقيدا بمضمون التعميم رقم 287/ص تاريخ 16/3/2005 منعا لحدوث مظاهر اعمال تنقيب وسرقة اثار.
3- الموافقة على تعيين حراس اضافيين لموقع عمريت وتخصيصهم بدراجات نارية وإضافة لما تقدم طلبت الدائرة من مجلس مدينة طرطوس مساعدتها في تركيب (بلجكتورات) أنوار كاشفة على خزاني المياه الكائنين في الشاليهات ( غرب الموقع) وفي المشتل الزراعي الواقع إلى الجنوب والشرق بحيث تساهم الانوار في كشف من يحاول دخول الموقع ليلا.
والسؤال ماذا نفذ من هذه الاقتراحات والمطاليب?
يمكن القول ومن خلال الجولة التي قمنا بها.. واللقاء الذي اجريناه مع رئيس دائرة الآثار أن أيا من المطاليب لم ينفذ حتى الآن باستثناء تسيير دورية ليلية في الايام الاولى التي تلت السرقة الكبيرة وحضور مدير عام الآثار والمتاحف الى الموقع ومشاهدة الواقع بأم عينه ووعده باتخاذ اجراءات لحماية الموقع ضمن الامكانيات المتاحة والمتابعة مع الجهات المختصة للمؤازرة..
وقد اتصلنا بالسيد مدير منطقة طرطوس الذي احيل اليه كتاب دائرة الاثار من قبل قائد الشرطة فأكد لنا انه قام بزيارة شخصية إلى الموقع وتبين له أن معظم الحفريات الموجودة قديمة والسرقات ليست جديدة باستثناء ما جرى في 13/4 حيث قام اللصوص بتكسير تابوت في أحد المدافن التي كانت البعثة تنقب فيها نهارا وأخذوا محتوياته- كما يبدو وقد نظم الضبط اللازم وتتابع التحقيقات وطلب من دائرة الآثار تعيين حراس بالموقع والابلاغ عن أي حالة لمؤازرتهم وأكد لنا انهم لن يدخروا جهدا لمساعدة الآثار في حماية هذا الموقع وغيره من المواقع.
أخيرا
إن منطقة عمريت تحتاج لاهتمام اكبر وامكانيات اكثر ونعتقد أن تنفيذ قرارات اللجنة التنفيذية للسياحة التي اتخذت خلال الاجتماع الذي ترأسه وزير السياحة بطرطوس في 18/12/2004 بحضور مدير عام الآثار والمتاحف ولاسيما المتعلق منها بالمنطقة المذكورة إضافة لتقديم الامكانيات المادية والبشرية لدائرة الآثار.. ومعاقبة المعتدين واللصوص.. كفيلة بحماية آثارنا وكشف المستور منها والاستفادة منها سياحيا فهل سنشهد عملا جديا من قبل وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمتاحف وبقية الجهات ذات العلاقة في المحافظة أو العاصمة لتنفيذ القرارات المذكورة.. وهل سنشهد خلال الفترة القادمة اهتماما حكوميا اكبر بقطاع الاثار والمتاحف.. أم ستبقى آثارنا ومواقعنا..( مالا داشرا) يعلم أولاد الحلال السرقة?!!