تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معاً.... نحو استعادة نقاء المدينة..... لنكسر الأسوار الإسمنتية ونستبدلها بالشجر

بيئة
الأربعاء 4/5/2005م
قاسم البريدي

لست وحدك يا صديقنا الفنان الكبير رفيق السبيعي تحلم بإعادة الشام إلى أيام الستينيات يوم كانت ( فيلا ) كبيرة وسط حديقة زاهية..

فنحن مثلك نحلم بدمشق وحاراتها ورائحة ياسمينها ومائها الذي يفيض وطعم خبزها المميز وفاكهة غوطتها .. ومثلك نحنو إلى قصة المجتمع الواحد بقيمه وعاداته الأصيلة الذي حول القهر إلى حياة هانئة يعيش فيها الناس متساويين ضمن أسرة واحدة .‏

ولأن الحديث مع فنان الشعب لايهزني وحدي كأحد العاملين في حقل الإعلام .. بل يهزنا جميعاً لتقبل الدعوة و لتبقى هويتنا الحضارية مشرعة , وجدت أن أسهب قليلاً بكلمات شكر من خلال هذا الفنان المبدع إلى كل مواطن غيور على الوطن ويعتز به ولا يستطيع أن يعيش بدونه ولو للحظة واحدة تماما كما يحيا السمك بالماء‏

فلست وحدك يا صديقنا تراقب اليوم العصافير والحمام (الستيتية).. وهي ترقص للربيع وتذهب بحب ونشاط لتجمع قشات صغيرة من هنا وهناك لتبني أعشاشها في الأحياء القديمة داخل الشام برغم كل شيء ..‏

وما أجمل أن نشاهد أصيص الورد يباع في أسواق الخضار والفواكه كحاجة يومية لنزين بها منازلنا عدا عن رؤية الباعة المتطوعين على عربات صغيرة وهم يجولون بها في الشوارع ليبيعوها بأسعار زهيدة..‏

ومع هذا .. فنحن نستغرب مثلك.. لماذا تسور أغلب بيوتنا ومدارسنا وجامعاتنا وأبنيتنا العامة والخاصة بكتل إسمنتية عالية تحجز قلوبنا عن بعضها البعض .. ولننهض معا وندعو للتعاون باستبدالها بأشجار دائمة الإخضراء وليكن السور - إن لزم الأمر- شفافا بسيطا يريح القلب ويبعث على الطمأنينة والأمان .. لتتحول المدينة إلى بيت واحد وحديقة واحدة لاتفصلها أية حواجز ..‏

من حقنا جميعاً .. نساءً و رجالا.. أطفالاً وشيوخاً .. أن نتنزه يومياً .. مرتين أو ثلاث مرات في الهواء الطلق لأن الحركة بركة سواء مشياً على الأقدام أم على الدراجات الهوائية التي نسينا أن نترك لها هامشاً ولو صغيراً للتجوال داخل وحول مدينتنا التي نحب ونعشق ..‏

ومن حقنا ..ألا نسمع ضجيج سيارات وآلات حفر وتعمير وتهديم.. ومن حقنا أن نمشي دون أن نتعرض للغبار المتصاعد من أبنية قيد الإنشاء أو الإصلاح .. ودون أن نرى شوارعنا تُحفر عنوة وكأنها توجه الشتيمة لنا جميعا ً لتقول .. بالأمس حفرنا .. وقبل الأمس حفرنا.. وغدا سنحفر .. وفي نفس المكان .. شاء من شاء وأبى من أبى ..‏

ومما يزيد الطين بله الإعلانات التي اكتسحت وجه الأبنية ولم نعد نشاهد إلا مطرقة ضخمة فوق رؤوسنا لتقول لنا .. علكة ( ما أحلاك) هي الأفضل .. صوت البقرة الفاقعة من الضحك وصل .. مناديل ( هيفاء ) هي الأنعم ..‏

أين المدينة التي تدغدغ ذاكرتنا وتربينا على عفويتها وبراءتها .. أين البيت الذي نفخر بشدة بساطته ونظافته لا بثمنه الباهظ وموقعه المطل على سرافيس الشوارع المستباحة للضوضاء والقلق وكل شيء..‏

صرنا ..عندما ندخل الكثير من الأبنية الرسمية .. نريد أن نشعر بهيبتها .. بحرمتها ..لأنها تمثل وطننا.. بدلاً من أن نجدها كتلاً صماء مشوهة متسخة في كل الزوايا وتصدر الروائح من دورات مياها التي يفترض أن تكون عنوان المدنية ومصدرها ..‏

صرنا نشتهي أن نزور مدرسة أو مكتب بريد أو للشرطة أو لجباية مالية أو كهرباء أو ماء .. لننتعش من أعماقنا بجمال البناء ونظافته ووروده وترحاب وبسمة العاملين فيه ..‏

وهناك استثناءات لكل ما أشرنا له كمديرات الهاتف الأرضي والجوال ولبعض الأبنية الرسمية لكنها لا تزال استثناءات وتعد على أصابع اليد ..‏

و بالمقابل .. نسأل : لماذا.. نرى المحال التجارية تتزين بأحلى وأبهى الأشكال وأرقاها وتترك لمساتها السحرية وتضاهي مثيلاتها في العواصم العالمية .. هل هي تخدعنا بهذا الفرق الواسع عن غيرها لنصبح مجرد مستهلكين .. أم تجعلنا ندرك أن البشاعة هي من إهمال الإنسان وعدم اكتراثه بنفسه وبالآخرين .. والجمال محل اهتمامه إن أراد وكان له مصلحة بذلك .. وبالتالي ننظر إلى مصلحتنا قبل إنسانيتنا ..‏

وأما بعد .. يا صديقي صاحب الأحاسيس المرهفة ..‏

هل يستطيع قلبك الدافئ البقاء في بيئة تغص بكل هذه التناقضات وأكثر .. وهل تتصور أن يكتب الاستمرار لأي وزارة تختص بالبيئة مهما على شأنها ودورها .. ??‏

يسعدنا جدا حماس المسؤولين والمواطنين بالشأن البيئي الذي دخل كل وجوه حياتنا النفسية والفكرية إضافة للصحية .. لكن الحماس لوحده لا يكفي وقالوا يلزمه الدليل المرشد و الضوابط والعمل والمنظمات الأهلية غير الحكومية .. وها نحن نمتلك قوانين للبيئة و للنظافة والجمال ومعاييرها وأدلتها وعشرات جمعيات البيئة التطوعية.. وصار الأمر حقيقة بعد أن طولب بهذه التشريعات والجمعيات منذ زمن ليس بالقريب ..‏

ويبدو أن ذلك مازال يتطلب جهوداً إضافية وعملية للتثبت من أن القوانين فعالة وتطبق على الجميع دون استثناء وليس مجرد حزمة جديدة من الأوراق .. لنتأكد في نهاية الأمر من قدرتنا على استخدامها كأحد الأدوات الهامة للوصول إلى التنمية المستدامة ولتحسين أحوال البيئة .. لأن البيئة المريضة تعني نتيجة واحدة هي أننا نحن مرضى أيضاً ..‏

فمتى نصحو ونقول كلمتنا لتعلو قيم النظافة وقيم الجمال لأنها تعكس حبنا لذاتنا وللآخرين ولانتمائنا لهذه الأرض الطيبة ..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية