وفي دراسة للدكتور عمر الفاروق البزري رئيس إدارة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) يوضح ثلاثة عناصر مهمة للبعد الدولي لاستراتيجية التقانة السورية هي: العولمة والتكنولوجيا والتنمية.
ويوضح أولاً العولمة بالتأكيد إنها ليست ظاهرة حديثة, إذ خاضت البشرية العديد من عملياتها في الماضي مشيراً إلى أنها ليست كلها بشر مطلق, فالكثير من المعالم الإيجابية التي تميز التطور الاجتماعي والاقتصادي على أصعدة متعددة تعود إلى انتشار المعارف والاحتكاك بأنواعه بين الثقافات والحضارات.
واستدرك قائلاً: لكن هذا لا ينبغي أن يعمي الأنظار عن الحاجة إلى توزيع عادل لثمار العولمة, وهو يشكل محوراً أساسياً لمناقشة آثارها على الصعيد الدولي وضمن البلد أو الإقليم الواحد.
والسؤال الذي يبرز هنا: ما الذي يعطي العولمة اليوم سمعتها? .. ويجيب البزري:
- الإحساس المتزايد أن البشر يعيشون في عالم يتأثر بتغيرات لا يستطيعون التحكم بها.
- الإحساس بالهشاشة على مستويات عديدة اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية بين الناس عامة.
- التهديد الذي بات الكثيرون, في أنحاء العالم النامي بوجه الخصوص يشعرون به تجاه المؤسسات التقليدية والثقافة والهوية وما يكمن عند أساس كل هذه الأمور من معتقدات.
ويخلص للقول: إن مقدار عدم المساواة (أو غياب العدالة) يشكل جوهر المسألة, وليس من الكافي القول: (إن الفقير اليوم يعيش على نحو أفضل من الفقير بالأمس), أو إن (البلدان النامية تتمتع اليوم بمستوى معيشة يفوق ما كان متاحاً لها بالأمس).
وبالرغم من المثالب التي تضمرها العولمة عبر أصولية السوق التي تعتبر المفهوم السائد للتنمية بائداً ودور الدولة في إحرازها ثانوياً, وترى أن التنمية نتيجة طبيعية للنمو الاقتصادي عبر تأثير تقاطري تؤكد الدراسة أنه لابد من تناول العولمة كحقيقة واقعة, وصياغة السياسات اللازمة للتعامل معها: ما الذي يميز العولمة اليوم عن سابقاتها في الماضي?... هل هو التقدم التكنولوجي الذي يجعلها أكثر فعالية فيوسع كما يعمق آثارها.. أم الظروف المحيطة بها والأبعاد الإقليمية والعالمية وأوجه أخرى متعددة سياسية وبيئية..,
التكنولوجيا والمنافسة
توضح الدراسة أن العولمة تلقت دعماً منقطع النظير من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بصورة خاصة لكن طيفاً واسعاً من التكنولوجيات الأخرى آزر العولمة أيضاً وأسهم في توسيع نطاقها.
غير أن الآليات التي تقدم التكنولوجيات الحديثة عبرها الدعم للعولمة ليست كلها بسيطة ومباشرة, فبالإضافة إلى سهولة حيازة المعلومات وتحليلها وتبادلها, التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, هناك الإمكانات التي لم يسبق لها مثيل في تطوير المنتج والعملية على نحو يدعم تراكماً في الهيمنة التكنولوجية والاقتصادية والسياسية لدى عدد محدود ومتناقص من (اللاعبين).
ومن هنا تلعب التكنولوجيا دوراً محورياً في تكريس توجهات العولمة وتعميق ونشر آثارها لأنها ليست مجرد أداة بل غاية أيضاً, تقود إلى أدوات أكثر فاعلية! وغايات تليها وهكذا..
ومن جانب آخر يشكل احتدام التنافس, المبني على كلف الإنتاج وتسعير المنتجات, واحداً من أبرز تبعات العولمة, ويستند هذا التنافس إلى (كما يفاقم) تآكل قدرة الاقتصادات الوطنية على الاستئثار بأسواقها.
لقد حرضت العولمة أسساً وأنماطاً جديدة للتنافس, تستند إلى تركيز أكبر من السابق على النوعية وتوقيت دخول السوق وشبكات التوزيع.
وبينما قد يتاح لشركة ما أن تحرز مكاسب قصيرة أو متوسطة الأمد في التنافس الإقليمي والدولي وبالاستناد إلى النوعية وكلفة الإنتاج وأسعار المبيع المنخفضة, فإن التنافسية في الأمد الطويل تستند إلى المقدرة المستمرة على الابتكار والتجديد على صعيد المنتج وعمليات الإنتاج.
الشفافية والحكم الصالح
ويشير د.عمر البزري في دراسته إلى أن دعاة العولمة يؤكدون أهمية (الحكم الصالح) و (الشفافية) من بين الشروط اللازمة للاستفادة من ثمار العولمة, وهذا إلى حد إهمال كل ما عداها من شروط, غير أن التجارب التي خاضتها بعض دول أميركا تشير بوضوح إلى عدم كفايتهما, وإذا كان ترويج هذين المفهومين يتم الآن على أصعدة عديدة وهما مفهومان من الصعب بمكان رفضهما لأنهما من الشروط الأساسية لتحسين مواقف البلدان النامية في مجابهة تحديات العولمة واقتطاف ثمارها.
فإن تبنيهما وكما أسلفنا غير كاف بحد ذاته إذ لا يمكن حل مشكلات التنمية بمجرد إلقاء (المعلومات) عليها أو (التشاور) حولها.. وبالتالي فإن الشفافية والحكم الصالح لازمان لكن ليسا كافيين في مجابهة تحديات العولمة وجني ثمارها.. ولابد أن تقترنا بجهود جادة لبناء القدرات الذاتية على التجديد التكنولوجي, وهذا يتطلب حيازة الإمكانات لخوض شراكات وتحالفات جديدة وطنية وإقليمية ودولية.
ما الذي تقوم به الإسكوا?
تستند مقاربات الإسكوا, كما لدى غيرها من اللجان الإقليمية, إلى عنصرين رئيسيين هما مساندة التكامل الإقليمي وبناء القدرات الوطنية في مجالات متعددة منها التكنولوجيا.
وتأسيساً على ذلك ترتكز مؤازرة الإسكوا للدول الأعضاء في بناء القدرات الوطنية العلمية والتكنولوجيا من خلال:
- سياسات وطنية للعلم والتكنولوجيا والتجديد المستند إليها.
- استحداث البنى المؤسسية الجديدة اللازمة لدعم التطور العلمي والتكنولوجي مثل: حاضنات التكنولوجيا, والأعمال, وشبكات البحث والتطوير والتجديد التكنولوجي, وحدائق التكنولوجيا والبحوث, ومراكز النخبة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل ما تقوم به الإسكوا خصوصاً ومنظمات الأمم المتحدة عموماً كافياً لتحقيق مثل هذه الأهداف المشروعة? تجيب الدراسة بالتأكيد على تدعيم الجهود الراهنة في اتجاهات أخرى لم يتسن ضمنها حتى الآن إحراز النجاح المنشود مثلاً في حكمنة النظام المالي الدولي والوصول إلى شفافية أكبر في المبادلات بأنواعها على الصعيد الدولي وليس فقط في البلدان النامية.
ولابد أن تتابع منظمات الأمم المتحدة جهودها في مضمار حقوق الملكية الفكرية والاتفاقات المستندة إليها على نحو يؤازر الدول النامية في الوصول إلى أهداف الألفية.
ولابد كذلك من بناء القدرات التكنولوجية الوطنية والانخراط ضمن أنماط فاعلة من الشراكة على أصعدة شتى وطنية وإقليمية ودولية.
بناء القدرات الوطنية
أخيراً تتوقف الدراسة عند بناء القدرات التكنولوجية في الجمهورية العربية السورية وتستنتج أنه سوف يؤدي بناء هذه القدرات إلى تحسين المناعة الوطنية تجاه آثار العولمة السلبية وتوفير الإمكانات لجني ثمارها.
وبصورة خاصة, لابد أن تعنى استراتيجية العلم والتكنولوجيا الوطنية ب¯:
- إحراز أسباب التجديد المستمر.
- تأهيل الأطر البشرية عماداً لهذا التجديد.
- تشييد البنى المؤسسية الحديثة.
- عقد التحالفات الضمنية والإقليمية والدولية المواتية.