وكنت أتناول نية الحكومة لإصدار قانون حول هذه المسألة.. فتحدثت في أسطر وجهتها للسيد رئيس مجلس الوزراء عن خراب فعلي في جماليات المدن والقرى والتجمعات السكانية السورية.. وقلت أن كثيرين من أصحاب القرار لا يقيمون اعتبارا لاحتمالات أن تؤدي قراراتهم إلى تبشيع موقع جميل فيسيئون بذلك إلى النظام وتنظيم الاستثمار العقاري في سورية. وضربت المثال حول الجهود المستمرة التي بذلتها جهات عديدة ل¯ )تبشيع) موقع مجمع الرمال الذهبية.. والغريب أنه لم يصلني أن جهة ما تأثرت بهذا الكلام باستثناء إدارة المجمع التي التبس الأمر أمامها.. فيما إذا كانت معنية هي بهذا الكلام.?!
والحقيقة هي العكس تماما.. فلقد بذلت إدارة التجمع جهودا وطنية فعلا ودائمة وبمتابعة يومية كي تحافظ على المجمع كما نظم ونفذ.. ولعلي لا أغالي إن قلت أن هذه الإدارة واجهت قوى نافذة ومتنفذة فعلية في هذا البلد.. وكان آخر ما حرر تمرير خط الغاز من المجمع الذي حافظ دائما على مرج أخضر جميل يفصل بين الشاليهات والبحر.. لكن.. من يحسب حسابا لمرج أخضر جميل على شاطئ البحر.
أرجو أن أكون أوضحت الأمر لإدارة المجمع وقد أوجعني أن يلتبس الأمر عليها.. لكن وجعي الحقيقي كان في مشوار رياضي صباحي خضته منذ بضعة أيام.. ذلك أنني اعتدت أن اتجه )كثيرا ما اتجه) إلى المنطقة الخضراء الباقية في وسط دمشق والمعروفة باسم بساتين الصالحية, أو )البارك الشرقي) وهي المنطقة المحصورة بين حي التجارة والخطيب والديوانية وبين مساكن برزة وشرقي ركن الدين.
منطقة جميلة فعلا, يخترقها بردى من أكثر من منفذ وتسكنها حمائم وشحارير وعصافير.. وزهر وخضار.. وجهود فلاحين تستبدل مواسمها من الخضار والحبوب واحدا وراء الآخر.. يحشّون الخبيزة فيزرعون الباذنجان .. ويقطفونه فيزرعون الفول والبازيلاء والفجل..و..و..
علاقتي بهذه البقعة لا تعود فقط لكوني أمارس رياضة المشي فيها وحسب.. بل لأسباب أخرى منها:
1¯ أنني محارب دائم لحماية البقاع الخضراء في مدينة دمشق.. ولذلك كرهت تعبير )بعض المنشآت السياحية) التي جاءت في بيان حول مستقبل منطقة كيوان.. وأنا مع الذين يرغبون بالحفاظ عليها بقعة خضراء..
2¯ إن المنطقة منطقة خير عميم ولها أصحابها الذين يعملون فيها ويزودون المدينة بالخضار الطازجة.
3¯ لقد سبق لأهل المنطقة أن استنجدوا بي منذ نحو عشرين عاما لحماية منطقتهم من أطماع المستثمرين العقاريين.. ولقد أنجدتهم.. لكن.. إلى حين.. فالذي أراه أن المنطقة آخذة في التلاشي.. بفعل كثيرين .. من بينهم أصحاب المنطقة أنفسهم.. الذين ما لبثوا يقيمون فيها منشآت مختلفة حرفية وغيرها.. وهم على الأقل لا يحسنون الدفاع عنها.
لماذا الوجع من الواقع في هذه البقعة اليوم..?!
ليس فقط لما أوردته من سلوك أصحابها تجاهها.. بل لأن المنطقة وخصوصا على جانبي الطريق الإسفلتي الذي يخرقها من قبل دوار مفرق القابون إلى شرق ركن الدين , مجاورا في جزء كبير منه بردى.. هذا الطريق وعلى الجانبين يشهد هجوما كاسحا قذرا بشعا, بالردم, ومخلفات الحظائر والمسالخ والفطايس وكل ما هو قذر?! وإذا كان هذا الهجوم خارجيا.. أي من غير أبناء المنطقة فهم على الأقل مقصرون في الدفاع عنها.
قد تبدو هذه الأوجاع والهموم ¯ وما قدمته ليس إلا غيض من فيض ¯ بعيدة عن صفحة اقتصاديات.. لكن السؤال إلى أي مسافة هي بعيدة..
هل يعقل أن نصدق مثلا أنه كلما ازدادت مدننا وقرانا و مواقعنا فوضى وابتعادا عن التنظيم وازدادت بشاعة ازداد عدد السواح القادمين إليها..?!
لماذا..?!
وعن ماذا يبحث هؤلاء السائحون..?!
على كل.. مشكلتي ليست تحديدا في أهلية بلدنا للسياحة.. فهي لن تكون مؤهلة لها ما لم تصبح مؤهلة لحياتنا , بأن تمضي بجمال ونظام تنظيم..
وبمعالجة الأوجاع البيئية والجمالية نحن في صلب العملية الاقتصادية.