تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بمناسبة اليوم العالمي للتوحد.. إضاءة على المرض .. أسبابه .. تشخيصه .. علاجه .. نسبته

مجتمع
الإثنين 2-4-2012
لقاء: علاء الدين محمد

مازال هناك الكثير من الناس لم يسمعوا حتى الآن باضطراب التوحد، حيث إن التوحد هو إعاقة ذات ظهور حديث في المجتمع العربي، ما شكل بدوره تساؤلات عديدة حول هذا الاضطراب

وماهيته وآلية التعامل معه وعلاجه، ولكن وبالرغم من أن ظهور هذه الإعاقة يعتبر ظهوراً حديثاً، إلا أن اعتراف الجميع بأن التوحد قد أصبح حقيقة ملموسة بات أمراً ضرورياً، لا سيما بعد ظهور عدد كبير من الأطفال المصابين به، ولقد أدى ذلك إلى طرح الكثير من التساؤلات حول هذا الاضطراب، ومن هذه الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر ما هو التوحد؟ ومنذ متى التوحد موجود كاضطراب؟ وما هي نسبة شيوعه وانتشاره بين الأطفال؟ وما هي أسبابه؟ وما هي أعراضه؟ وكيف نعرف فيما لو كان طفلنا مصاباً بالتوحد أم لا؟ وكيف علينا التعامل مع طفلنا التوحدي؟ وغيرها الكثير.‏

عن التوحد تاريخه ونسبة انتشاره وأسبابه وأعراضه وطرق تشخيصه ، وبمناسبة اليوم العالمي للتوحد والذي يصادف في الثاني من نيسان كل عام كان للثورة هذا اللقاء الموسع مع الأستاذ مهند عباس عبد اللطيف الأخصائي بالارشاد النفسي ومدير معهد النور التخصصي لتشخيص وتأهيل وتدريب ذوي الاعاقة.‏

تعريف التوحد:‏

التوحد هو اضطراب في النمو العصبي للطفل يؤثر على التطورات النمائية في مجالات أساسية لديه، هي التواصل والمهارات الاجتماعية والتخيل (واللعب التمثيلي)، ويظهر بشكل واضح وجلي بعمر ثلاث سنوات.‏

تاريخ التوحد:‏

يعد مودزلي 1867 من أوائل الأطباء النفسيين الذين اهتموا بالاضطرابات العقلية شديدة، حيث إن مودزلي كان يعتبرها ذهانات في ذاك الوقت، وهذا المفهوم بقي سائداً حتى عام 1935 تقريباً، حيث جاء الطبيب النفسي ليو كارنر المتخصص في طب نفس الطفل، وبين أن التوحد هو اضطراب قائم بحد ذاته، يحدث في الطفولة، محدداً مجموعة من الأنماط السلوكية المرافقة لاضطراب التوحد، والتي أسماها مجتمعة باضطراب (الذواتية الطفولية)، حيث لاحظ كارنر انغلاق هؤلاء الأطفال على ذواتهم وابتعادهم عن مواقعهم وعزلتهم وانطوائهم كما أنهم لا يستجيبون للمثيرات الخارجية المحيطة بهم بطريقة سوية، وقد لاحظ كارنر هذه السلوكيات بعد مراقبته وملاحظته لمجموعة أطفال كانوا مصنفين على أنهم أطفال يعانون من تخلف عقلي.‏

وعلى الرغم من الجهود التي بذلها كارنر في رصد ومتابعة خصائص وسلوكيات الأطفال التوحديين، وتأكيده على أنهم أشخاص لديهم إعاقات تختلف عن الإعاقات العقلية الأخرى كالتخلف العقلي مثلاً إلا أن الاعتراف بهذه الفئة كفئة تسمى (التوحد) لم يحدث إلا في ستينات القرن الماضي، حيث كان التوحد يُشخص على أنه فصام طفولي، وقد يكون السبب في ذلك هو وجود أعراض مشتركة بين الاضطرابين كالعزلة والانكفاء على الذات. لكن وعلى الرغم من وجود أعراض مشتركة بين التوحد والفصام الطفولي إلا أن هناك نقاط اختلاف عدة كعدم وجود هلوسات وهذيانات، وهذا ما أكد أن التوحد اضطراب نمائي وليس انفعالياَ.‏

من هنا يمكن القول إن التوحد هو إعاقة قائمة بحد ذاتها، وهو ليس نوعاً من أنواع التخلف العقلي ولا درجة من درجاته، كما أنه ليس فصاماً طفولياً، بل هو إعاقة للمصابين فيها مجموعة من الخصائص والسمات السلوكية التي تختلف عن سمات وخصائص باقي الاضطرابات العقلية الأخرى.‏

ما نسبة انتشار التوحد بشكل عام وفي بلداننا العربية بشكل خاص:‏

اضطراب التوحد هو اضطراب يتواجد في كافة أنحاء العالم، وبمختلف الجنسيات والطبقات الاجتماعية بالتساوي، والدراسات التي أجريت في أوربا وأميركا والتي تناولت اضطراب التوحد تشير إلى أن نسبة انتشار التوحد بكافة درجاته تتراوح من 5 إلى 15 حالة من بين 10.000 مولود، وبأن 5 حالات من كل 10.000 مولود يعانون من توحد شديد. كما أن هناك مؤشرات تدل على أن هذه النسب آخذه بالتزايد. كما أن التوحد يظهر عند الذكور والإناث بنسبة 4 من الذكور مقابل 1 من الإناث بشكل عام، ولكن إعاقة التوحد تظهر في الغالب عند الإناث بدرجات أشد منها عند الذكور، وغالباً ما تكون مترافقة بتأخر ذهني شديد.‏

والبحث في مجال التوحد في عالمنا العربي لا يزال بحثاً محدوداً وحديثاً، إلا عدد قليل من الدراسات المنظمة، ولكن في الآونة الأخيرة كان هناك زيادة ملحوظة في عدد وتوعية الخدمات الموجهة لميدان التوحد، ولقد كان للدراسات والأبحاث التي تناولت التوحد فضل كبير في زيادة سبل التعرف على أسباب التوحد وخصائصه وسماته، كما كان لها دور كبير في تحسين نوعية الخدمات والطرق التدريبية والتعليمية المقدمة للأطفال التوحديين وزيادة فاعليتها، كما كان لها الفضل الأكبر في جعل النظرة للتوحد أكثر تفاؤلاً، ولكننا في الوقت ذاته بحاجة لمزيد من الدراسات والأبحاث لإيجاد إجابة لعديد من الأسئلة والتي لم نحصل على أجوبتها بعد مثل: ما هي الأسباب الكامنة وراء إصابة الطفل بالتوحد؟، أو ما هي أفضل أساليب التدخل والمعالجة للطفل؟ وغيرها من النقاط التي تحتاج لمزيد من التوضيح والتفسير العلمي.‏

ما هي أسباب التوحد واعراضه:‏

في الحقيقة الأسباب الكامنة وراء الإصابة بالتوحد تختلف من شخص لآخر، حيث لا يوجد سبب واحد كامن وراء إصابة كافة الأطفال بالتوحد، ولكن هناك أسباب عديدة من المتحمل وجودها خلف إصابة الطفل بالتوحد ومنها:‏

1. الجينات أو الوراثة.‏

2. إصابة الأم بأمراض وفيروسات أثناء الحمل.‏

3. تعرض الأم إلى كيماويات سامة أثناء الحمل.‏

4. الاضطرابات الأيضية.‏

وعموماً هذه الأسباب أو العوامل السابقة تؤثر بشكل عام على نمو العقل بشكل سليم، وتؤثر بشكل مباشر في كيفية تبادل المعلومات ما بين أجزاء العقل المختلفة، مما يؤثر سلباً على آلية معالجة المعلومات، وتقديم الاستجابة السوية الملائمة لها.‏

وقبل أن نتحدث عن أعراض التوحد أرى أنه من الضروري التنبيه لنقطة مهمة جداً، وهي أن التوحد يكون في أوج شدته في مرحلة الطفولة المبكرة، وتظهر على الطفل التوحدي مجموعة أو معظم الصفات التالية:‏

1 ضعف في التفاعل والمشاركة الاجتماعية، فقلما يشير الطفل إلى لعبته أو للأشياء التي يحبها.‏

2 التعامل مع الآخرين وكأنه أصم، فهو لا يستجيب أثناء مناداته باسمه، ولكننا قد نلاحظه يستجيب للأصوات الصادرة عن البيئة المحيطة كصوت لعبة مثلاً.‏

3 ضعف في التواصل البصري مع الآخرين، فهو لا يركز بصره على والديه كما هو ملاحظ عند الأطفال الأسوياء.‏

4 لا يصدر أصوات المناغاة كغيره من الأطفال العاديين.‏

5 يعاني ضعفاً كبيراً في مهارات التقليد.‏

6 يجد صعوبة بالغة في فهم انفعالات وعواطف الآخرين، فلا يرد على ابتسامة الغير بمثلها.‏

7 لا يلعب بلعبه بطريقه سوية، فهو غالباً ما يميل إلى صفها على نسق واحد، ويكرر طريقة اللعب بها.‏

8 يفتقد للعب التخيلي أو اللعب التمثيلي.‏

9 تظهر عليه علامات العيش في عالمه الخاص، ويقل اهتمامه بمن يحيط به، وقد يُغفل وجودهم.‏

10 من الصعب جعل الطفل التوحدي يوجه بصره للآخرين أو يتابعهم بنظره، أو جعله ينظر إلى ما ينظرون إليه.‏

11 تأخر أو فقدان التطور اللغوي: فهو لا ينطق كلمات عند بلوغه عمر 16 شهراً، ولا يستخدم جملاً مكونة من كلمتين في عمر 24 شهراً.‏

12 تظهر عند معظم الأطفال التوحديين نوبات غضب شديدة.‏

13 الاستجابة الحسية غير طبيعية لدى الكثيرين منهم، فقد تكون حاستهم للألم أو الحرارة على سبيل المثال ضعيفة.‏

14 ظهور حركات نمطية متكررة كرفرفة الأصابع أو الدوران حول أنفسهم.‏

15 تتطور المهارات الاجتماعية واللغوية لدى فئة قليلة من الأطفال المصابين بالتوحد بشكل طبيعي، ثم تتعرض لفقدان مفاجئ للغة أو المهارات الاجتماعية عند عمر سنة ونصف تقريباً.‏

كيف يتم تشخيص التوحد:‏

قبل أن نتحدث عن تشخيص التوحد أرى أنه من الضروري تعليل أهمية عملية التشخيص، حيث إن التشخيص مهم جداً بالنسبة للأهل وللعاملين في هذا المجال، حيث إن التشخيص يساعد في عدة أمور أهمها:‏

1. تحديد المشكلة التي يعاني منها الطفل.‏

2. الاطلاع على مجموعة معلومات خاصة بالمشكلة من عدة مصادر /كتب مقالات علمية ذوو الخبرة ... إلخ /.‏

3. تحديد السلوكيات التي يمكن أن ترافق مشكلة الطفل.‏

4. معرفة مدى التقدم الذي يمكن أن يحرزه الطفل من خلال عمليات التدخل العلاجي أو التأهيلي أو كليهما.‏

5. معرفة السبب الكامن وراء السلوكيات التي يمكن أن تصدر عن الطفل.‏

6. تحديد العلاج المناسب والأسس اللازمة لوضع الخطة التعليمية والتربوية الملائمة لحالة الطفل.‏

بالنسبة للتوحد لا يوجد هناك دلالات بيولوجية أو فيزيولوجية تظهر على كافة أطفال التوحد، ولذلك لا يوجد فحص طبي لتشخيص التوحد، وبالمقابل فإن معايير تشخيص التوحد هي معايير تعتمد على الجانب السلوكي الأدائي للطفل، لذلك لكي يتم تشخيص طفل على أنه يعاني من التوحد يجب أن يحقق معايير تشخيص التوحد كالقصور الاجتماعي والتأخر الواضح في اكتساب اللغة، وانخفاض في قدرة الطفل على التخيل واللعب التمثيلي.‏

ولكن الأمر ليس بالسهولة التي يبدو عليها، وليس بالأمر السهل، حيث أن التأكد من مطابقة معايير تشخيص التوحد مع سلوك الطفل يحتاج إلى خبرة كبيرة من القائم على عملية التشخيص، ويحتاج للبحث عن تفاصيل حياة الطفل مع القائمين على رعايته (أهل أو مربين)، بالإضافة لإخضاع الطفل لجملة من الاختبارات ولمراقبة سلوك الطفل بشكلٍ عام.‏

من الضروري هنا الإشارة لنقطة مهمة جداً، وهي أن القائم على عملية التشخيص يجب أن يكون مُعداً إعداداً علمياً عالياً في مجال علم النفس، وله خبرة طويلة في مجال التقويم، ويكون قد تلقى تدريباً مكثفاً في كافة الاضطرابات الطفولية، وعلى آلية تشخيصها وتقييمها، وليس في مجال التوحد فقط، ويجب أن يكون لديه إلمام كبير بالاختبارات النفسية وآلية تطبيقها وكيفية إجرائها وتفسير النتائج الناتجة عنها، وكذلك يجب أن يكون قادراً على تحديد الاختبار المناسب للطفل الذي يقوم على تشخيص وتقييم حالته.‏

تنبع أهمية أن يكون الشخص القائم على التشخيص ذا خبرة وكفاءة من عدة أسباب منها أن للتوحد أشكالاً عديدة ودرجات متفاوتة، كما أن السلوكيات المرافقة للتوحد تتغير كلما تقدم الطفل بالعمر، وكذلك السلوك والخصائص التوحدية تختلف باختلاف المشرف على تدريب الطفل، فكلما كان القائم على التدريب ذا خبرة وكفاءة عالية كلما تراجعت لدينا السلوكيات الدالة على التوحد، كما أن هناك العديد من الاضطرابات التي لها سلوكيات شبيهة بسلوكيات التوحد، وهذا يُصّعب الأمر على القائم بالتشخيص، كما يختلف السلوك التوحدي باختلاف البيئة التي يتواجد فيها الطفل، فالبيئات غير المنتظمة تجعل السلوك التوحدي أكثر وضوحاً وبروزاً، وعليه فإن السلوكيات التوحدية قد تكون منخفضة في الموقف التشخيصي لأنه غالباً ما يكون في بيئة منظمة. وكل ما سبق ذكره يحتاج لخبرة واسعة من قبل القائم على عملية التشخيص.‏

طبعاً يفضل أن تتم عملية التشخيص عندما يكمل الطفل السنة الثالثة، حيث أن الكثير من السلوكيات المرافقة للتوحد يمكن أن نلاحظها عند أطفال أسوياء لم يبلغوا الثالثة من عمرهم، ما يجعل أمر وجود أحد المعايير التشخيصية للتوحد أمراً ليس مؤكداً.‏

ماذا عليَّ أن أفعل؟‏

غالباً ما نسمع هذا السؤال من قبل أهالي أطفال شُخص لديهم اضطراب التوحد، طبعاً بعد التأكد من أن الطفل يعاني من اضطراب التوحد، فإننا نرى أن الخطوة الأهم هنا هو إلحاق الطفل بمعهد متخصص يُعنى باضطراب التوحد، حيث أن المعاهد المتخصصة تملك الشروط الأساسية والضرورية لإنجاح العملية التدريبية.‏

ولعل أهم فوائد إلحاق الطفل التوحدي بمعاهد متخصصة تكمن في الخدمات التي يمكن أن تقدمها هذه المعاهد، حيث أن من يعمل في هذه المعاهد المتخصصة هي كوادر مؤهلة تأهيلاً علمياً جيداً، وتكون لهذه الكوادر نظرة إيجابية للأطفال التوحديين، ودائماً نراهم متأكدين من أن الأطفال سيحققون نتائج وتقدماً ملحوظين، كما أن هذه المعاهد تقوم بإعداد برامج تربوية تدريبية مناسبة لقدرات وحاجات الطفل التوحدي، كما أنها توفر بيئة تدريبية تعليمية داعمة للطفل، حيث أن هذه البيئة غالباً ما تتسم بالتنظيم، وكذلك عدد المشرفين على تدريب الأطفال يكون مرتفعاً مقارنةً بعدد الأطفال، كما أن هذه المعاهد تشكل بيئة مناسبة لتعديل السلوكيات غير السوية، والقائمون على هذه التعديلات هم أشخاص لديهم خبرة واسعة في هذا المجال، كما أنها تنتهج أسلوب التقييم المستمر بشقيه الرسمي وغير الرسمي، وذلك لملاحظة مدى تقدم الطفل، ومدى استفادته من البرامج العلمية والتدريبية، بشكل علمي دقيق ومنظم، كما أنها تعتبر بيئة ملائمة لإعداد الطفل للانتقال لمراحل متقدمة، حيث أنها قد تجعله قادراً على الاستفادة من الصفوف المدرسية العادية، كما أنها تسهم بشكل مباشر على جعل القائمين على رعاية الطفل يشاركون بالعملية التأهيلية والتدريبية لطفلهم، وذلك من خلال تزويدهم بجملة من الإرشادات والنصائح التي من شأنها أن تسهل عمل الوالدين مع الطفل، والعمل على تذليل العقبات التي يمكن أن يعانوا منها عند قيامهم بتدريب طفلهم التوحدي.‏

هذا إضافة إلى جملة من النشاطات الاجتماعية والترفيهية التي يمكن لهذه المعاهد أن تقوم بها والتي من شأنها أن تزيد من خبرات الأطفال والترفيه عنهم، وجعلهم يُشاركون بنشاطات اجتماعية مناسبة وفق منهج علمي أكاديمي منظم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية