تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المشهد الدولي بين أخلاقيتين

متابعات سياسية
الأربعاء 15-7-2015
بقلم الدكتور فايز عز الدين

في الشكل التاريخي للتعامل الدولي عبر العلاقات العالمية للأمم المختلفة حَمَلَ لنا التاريخ نمطين من الثقافة حيث بدا فيهما أن الشرقَ شرقٌ، والغربَ غربٌ؛ في المبادئ، والقيم، والصورة الأخلاقية عموماً.

حيث عاين المجتمع الدولي هذه المسألة في الثورات الاجتماعية التي شهدها الغرب ولعب فيها على وحدة الإنسانية، وقيم حق تقرير المصير ثم سرعان ما خان الغرب الإمبريالي أهدافه المطروحة لينخرط بسياسات الاستعمار للشعوب الأخرى، وليجرد جيوشه لاقتسام العالم، وتجريف ثرواته حتى يبني حضارته على الهيمنة، والنهب، واستبعاد السيادة الوطنية من الحساب في التعامل مع أيّ بلدٍ كان .‏

وعلى الرغم من تعريض العالم إلى حربين عالميتين حَدَثَ فيهما تدميرٌ هائل للحضارة، والثقافة، والتاريخ بقي الغرب على ما عُرِفَ عليه من نظرة فاشستيّة لشعوب الشرق، وكأن شعوب الشرق لا حقَّ لها في البناء للدولة الوطنية، ولا في التنمية المستقلّة، وعليها أن تتقبّل منظومة الاستهلاك التي يفرضها الغرب، وأن توفّر لها الفلسفة الاجتماعية والاقتصادية التي تحضُّها حتى تتقاطب الحياة العالمية بين منظومة إنتاجٍ مسيطرٍ من الغرب، ومنظومة إنتاج تابعة ومستولىً عليها موجودةٍ في الشرق.‏

وقد تَبِعَ هذا الحال ظهورُ الأخلاق الغربية بمظهر اللا إنسانية ، والكيل بمكاييل، وتغليب قيم القوة في العلاقات الدولية على قيم الحق، والعدل، وحقوق الإنسان والأوطان. ولم تحدث مشكلة عالمية إلا واتضح فيها أن الغرب لا يرى المبادئ، والحقوق بمقدار ما يرى المنافع الخاصة به، أو بحلفائه على الرقعة المعنية. ولدينا الكثير من الأمثلة والوقائع التي تؤكد لكل ذي راغبٍ في العلم؛ وآخرُ ما حُرِّر في هذا المجال مواقفُ أميركا، وأوروبا، ومَنْ يستتبعانه من الجوار الإقليمي لسورية في تركيا أردوغان، أو في أعراب الممالك والمشيخات حين صنّعوا الإرهاب الدولي من عباءة التديّن الإسلامي وجعلوه قادراً على اختراق ثقافة الذين ما زالوا خارج المعرفة العلمانية الصحيحة حتى يُعيدوا العالم إلى أكثر من عشرة قرون إلى الوراء؛ بلغة العقل، والمعرفة، والسلوك.‏

ومن غريب الحال في ثقافة الغرب الإمبريالي الذي ركبتْ موجته الصهيونية منذ بداية القرن العشرين حتى يوم الناس هذا، أن افتقاد المعايير الأخلاقية السليمة لديه ليست سياسات اضطرارية كما يعتقد البعض، بل هو نمطُ من الفكر والثقافة ينطلق دوماً من المنفعة التي تقدّمُها حالة افتقاد هذه المعايير لكون الاعتراف بالحقوق سيُجبر هذا الغرب على التزام العدل، والدمقرطة في العلاقات الدولية، وهذا الأمر لا يتّفق مع طبيعة الهيمنة ومنظومة السيطرة المطلوبة.‏

إذاً؛ الأخلاقُ العالمية التي تُقِرُّ بالحقوق، والعدل لا يمكن أن تكون موجودة في الغرب الإمبريالي المتصهين، وبناءً عليه وقف وما زال مع الصهيونية حتى احتلّت فلسطين، وما زال يقف ضد كل دولة عربية تقاوم هذا الاحتلال. وسخّر وما زال أدواته الأعرابية لخدمة المشروع الصهيوني لدرجة أنهم لم يتذكروا اليوم الذي سمّي بيوم القدس.‏

وليس لدى هؤلاء أية إرادة، أو قدرة على الانخراط بأي مشروع عربي توحيدي، أو اقتصادي سياسي يبلور فكرة الأمة العربية وحقّها التاريخي في دولتها القومية الدولة الأمة أسوة ببقيّة أمم الأرض. وقد ذَكَرَ المفكر والسياسي الروسي الراحل بريماكوف في كتابه المعروف: العالم بعد الحادي عشر من أيلول 2001 أن أميركا لن تستطيع قيادة النظام الدولي لأنها تفتقد الرصيد الأخلاقي اللّازم لهذه القيادة. وها نحن اليوم نرى إلى السياسة الأميركية وهي تشكل حلفاً ضد إرهاب داعش والنصرة، ولا تحاربه لتنهيه بل لتستثمر فيه فتجعلَ منه جسراً للعبور والتدخل في أية دولة؛ ولا سيما سورية، والعراق، ولبنان. وحتى الملف النووي الإيراني فهي لا تُعطي حقاً وطنياً لإيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية بمقدار ما تعطيه لإسرائيل ولو كان عسكرياً بكل المعايير.‏

وعلى أرض سورية تَبَلوَرَ المشهدُ الدولي بأخلاقية الغرب المتصهين عدواناً إرهابياً مفضوحاً حيث لم يَعُدْ المواطن السوري يرى أيّةَ لافتةٍ مما كان قد قيل عنه ثورة سورية وحقوق مشروعة لتظهر على كل موقعٍ تواجد فيه المسلحون أعلام داعش، والنصرة فيتحول الحراك الشعبي المزعوم، إلى عدوان وهابي إرهابي مكشوف ولا تخجل منه أميركا وأذنابها. والآن أصبح الإرهابُ الداعشي يطالهم جميعاً – كما قالت لهم سورية – فصاروا يُظهرون الجدّية الكاذبة في محاربة الإرهاب.‏

وما هو في خير البشرية اليوم هو أن الأخلاق الشرقية المتمثلة في جبهة المقاومة على أرض سورية، وطبيعة مواجهتها الصامدة للعدوان الإرهابي الدولي عليها، وما استقطبته هذه الجبهة من دعمِ القوى العالمية المتمثلة في روسيا والصين جعل مؤتمر أوفا لدول البريكس، وبالآن نفسه معاهدة شنغهاي يُعلنان على لسان الرئيس الروسي بوتين نهاية عصر اللا أخلاق التي لا تقبل التعدي على حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وتحرّم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للأمم الأخرى، ومَنْ يقوم بهذه المهمة اليوم يمثّل ثلثي العالم سكاناً، واقتصاداً، ومَفَادُ هذا أن مَيْلَ العصر يؤذن بانتهاء الغطرسة العالمية لأميركا وحلفائها، ولذا فليس أمامها سوى أن تبحث عن المخارج بالعودة إلى أخلاق العالم، وحقوقه والاعتراف بهما، كما دأبت سورية على القول والفعل فيه، وتلتقي في ذلك مع الأخلاقية الشرقية لدول البريكس، ومعاهدة شنغهاي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية