فيما بات واضحا لدى حزب العمل وزعيمه باراك وبقية الأحزاب الأخرى بان اولمرت لم يعد بامكانه البقاء في منصبه وان رحيله من الحياة السياسية أصبحت مسألة وقت, الأمر الذي اضطره مؤخرا للموافقة على إجراء انتخابات مبكرة داخل كاديما,ومثل هذا الموقف ينسحب على شركاء اولمرت من الأحزاب اليمينية الدينية والقومية المتطرفة في الائتلاف الحكومي مثل حركة شاس هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تأييد الكتل اليمينية الرئيسية المعارضة.
وفي مقدمتها حزبا ليكود وإسرائيل بيتنا, حلّ الكنيست والتوجه إلى صناديق الاقتراع
لكن تأييد اليمين لا يعني بالضرورة انتخابات مبكرة أكيدة. لأنّ الكرة في ملعب الائتلاف الحكومي. وتسعى حركة شاس, الشريك في الائتلاف, إلى استغلال الوضع المتدهور لحزب كديما, مشترطة زيادة مخصصات الأطفال لعدم دعم قانون حل الكنيست, فيما يشترط حزب العمل تحركاً فورياً في الحزب الحاكم لاستبدال أولمرت. وقال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب العمل, إيتان كابل, إنه في حال عدم التحرك لاستبدال أولمرت :(قد نطرح بعد ثلاثة أسابيع اقتراح قانون لحل الكنيست في القراءة التمهيدية. ونحن نفكر بهذا بشكل جدي ).
ووسط هذه المواقف لأحزاب الائتلاف الحكومي, تتجه الأنظار نحو كديما, الذي يستعد لانتخابات داخلية ستحدد ملامح المعركة المستقبلية الأمر الذي زاد من سخونة التنافس بين وزير المواصلات شاؤول موفاز ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي تطمح بدورها لخلافة اولمرت في الحزب ورئاسة الحكومة. ويواصل الاثنان سعيهما باتجاه تكريس مكانتيهما داخل كاديما. وقال رئيس لجنة التوجيه في كديما, تساحيا هنغبي, إنه التقى ليفني وموفاز, من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن موعد إجراء الانتخابات الداخلية. وكان هنغبي قد التقى أيضا المرشحين الآخرين لرئاسة الحزب: مئير شطريت وآفي ديختر. ويسعى موفاز من جانبه إلى توطيد علاقته مع حزب شاس, من أجل منع خطوة تبكير الانتخابات, وللحيلولة دون دعمه اقتراح حلّ الكنيست.
ويقدر موفاز أن باستطاعته منع تقديم الانتخابات, وأنه معنيّ بالحصول على دعم الحزب المتديّن قبل الانتخابات الداخلية, ما قد يمنحه نقطة تفوّق على خصيمته.وبالنسبة لوزيرة الخارجية ليفني فقد بدأت تستعد هي الأخرى لخوض المعركة الداخلية منفردة وذكرت صحيفة يديعوت احرنوت إن ليفني بدأت استثمار طاقتها ميدانياً من أجل التفوّق على خصمها. وكانت ليفني التقت أعضاء كنيست ووزراء في حزبها, مبينة أنّ على كديما الاستعداد إلى يوم ما بعد أولمرت. وقالت إنه إذا واصل الحزب دفن :رأسه في الرمال, فسيتحوّل إلى حزب غير ذي صلة.
وفيما تصر ليفني على إجراء انتخابات تمهيدية بأسرع وقت داخل كاديما يعارض منافسيها شاؤول موفاز مائير شطريت وآفي ديختر إجراء انتخابات تمهيدية سريعة .
وبالرغم من اختلاف المرشحين الثلاثة لخلافة اولمرت حول مسالة تقديم الانتخابات الا إنهم لا يعتزمون الاستسلام لتهديد باراك.
وقالوا لهنغبي إنه يتوجب انتظار الاستجواب المضاد, الذي سيجريه محامو أولمرت ضد تالانسكي. وشددوا أيضا على أن تقديم موعد إجراء انتخابات تمهيدية يجب أن يتم بالاتفاق مع أولمرت, وفق ما ينص عليه دستور حزب كديما. ويعتبر موفاز وشيطريت وديختر أن تهديد باراك فارغ من أي مضمون, لأنه يسعى لاستبدال أولمرت في رئاسة الحكومة وحسب ولا يريد انتخابات مبكرة. إذ تظهر استطلاعات الرأي أن حزب العمل سيفقد من قوته لصالح حزبي كديما والليكود في حال جرت انتخابات مبكرة. كذلك اتهم موفاز(باراك ومستشاره الإستراتيجي الإعلامي رؤوفين أدلر بأنهما يسعيان لتفكيك كديما).
ومن المعروف أن باراك لا يريد انتخابات عامة الآن لأن وضعه في الاستطلاعات سيء, وإنما يريد تشكيل حكومة بديلة برئاسة من يختاره حزب كديما في رئاسته.
وبعد يوم واحد من إعلان باراك, أعلنت ليفني أن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر وينبغي استبدال أولمرت من خلال إجراء انتخابات تمهيدية في كديما, ما يعني مطالبتها أولمرت بالتنحي.
وتجمع التحليلات على أن أولمرت لن يدعم ليفني للوصول إلى رئاسة كديما معتبرا دعوة باراك وليفني تنسيقا مسبقا لإسقاطه , لكن يتضح الآن أن الصورة مختلفة وثمة شك كبير حول هذا التنسيق.
وبحسب المحللين الإسرائيليين, فإن باراك لا يريد أن تفوز ليفني برئاسة كديما, وإنما أن يفوز بهذا المنصب وزير المواصلات, شاؤول موفاز,ذلك لأن موفاز يحمل أفكارا يمينية مطابقة لأفكار حزب الليكود. وكديما برئاسة موفاز سيكون بمثابة (ليكود ب), ومع اقتراب موعد انتخابات عامة سيفضل الكثيرون من مصوتي العمل السابقين, الذين انتقلوا إلى كديما لدى تأسيسه, العودة إلى حزبهم الأم.
وبالمقابل, فإن كديما برئاسة ليفني من شأنه أن يضعف العمل أكثر وحتى أن بعض التقديرات تشير إلى احتمال انخفاض عدد المقاعد البرلمانية التي سيفوز بها العمل إلى أقل من 15 مقعدا. ونقل محللون عن مقربين من باراك قولهم إن (موفاز هو أملنا الكبير. ومن يعتقد أن باراك يريد فوز ليفني وأنه ينسق خطواته معها, فإنه لا يعرف عما يتحدث).
لكن الأهم من ذلك كله , ما يواجهه باراك من مصاعب ومعضلات داخل حزب العمل , فإلى جانب ترك العديد من رموز هذا الحزب أمثال موشيه سنيه , يهدد زعماء آخرون باتخاذ نفس الخطوة وتشكيل أحزاب أخرى كحاييم رامون واوفير بينس الذي يعتزم تشكيل حزب الخضرعلاوة على ملكي أور الذي أعلن هو الآخر عن نيته مغادرة حزب العمل ويقول محللون سياسيون إسرائيليون ان هذه الاستقالات من حزب العمل ونية البعض منهم تشكيل أحزاب جديدة ,تكشف عن الأزمة الداخلية العميقة التي يعيشها حزب العمل, إذ إن شخصيات أخرى بدأت تبحث عن طريق الخلاص السياسي لها, تحسبا من انهيار الحزب في أي انتخابات برلمانية قادمة.وعلى ضوء هذه الأنباء بدأت شخصيات تاريخية في حزب العمل, من بينها الوزير السابق موشيه شاحل, المكلف بشؤون الدستور في الحزب, وشخصيات بارزة سابقا, مثل عوزي بارعام ورعنان كوهين ولوفا الياف, تحذر بوضوح من توجه متنام في حزب العمل, موجهين انتقادات واضحة ومباشرة لزعيم الحزب, إيهود باراك, الذي لا يعمل على رص صفوف الحزب, كما أن سياسته المعلنة لا تعبر عن المواقف التقليدية للحزب, على حد تعبيرهم.
من جهة أخرى, يقول المقربون من رامون, إن الأخير لا يفهم الخطوة التي أقدم عليها باراك, عندما دعا أولمرت للتنحي أو التوجه لانتخابات مبكرة لا يريدها. ويرى رامون أن الضرر الأكبر الذي أحدثه باراك هو أنه تسبب بشل أولمرت, سياسيا وعسكريا. إذ يعتقد رامون أن رئيس الحكومة قادر على القيام بمهامه وحتى على تحريك مفاوضات سياسية أو خطوات عسكرية. لكن المشكلة تبقى أن أي خطوة يقوم بها الآن سيتم تفسيرها على أن هدفها هو بقاؤه في كرسيه. ولذلك هو بحاجة إلى باراك للقيام بذلك. وباراك, بعد دعوته أولمرت للتنحي, لن يتمكن من دعم خطوات رئيس الحكومة.
على العموم, فإن أزمة القيادة التي يعاني منها حزب (العمل) منذ أعوام قد أدت الى تراجع دوره السياسي والتاريخي , وبدأت هذه الازمة الآن تأخذ طابعا جديدا تنذر بتحوله الى حزب هامشي جدا, فقد عمّق باراك هذه الأزمة, ولم يستغل عودته إلى رئاسة الحزب لإظهار تميز الحزب على الحلبة السياسية, وإخراجه من خانة حزب ظل, التي يقبع فيها منذ انهيار حكومة باراك في مطلع العام 2001.وتشير استطلاعات الرأي العام إلى أن حزب العمل قد يحافظ على قوته الهزيلة نسبيا في الكنيست (19 مقعدا من أصل 120 مقعدا), لكن غالبية الاستطلاعات تشير أيضًا إلى احتمال فقدانه من مقعد إلى ثلاثة مقاعد.وفي حال ثبوت نهج خروج شخصيات معروفة من الحزب, وإن لم يكن لكل واحد منها وزن انفرادي, فإن خروجها كمجموعة سيؤثر سلبا على قوة الحزب المتبقية, وفي هذه الحالة قد يحتل حزب العمل مكانة حزب الليكود الحالية في الكنيست, كحزب من المرتبة الرابعة أو حتى الخامسة, بعد أن حكم إسرائيل بشكل منفرد تقريبا في الأعوام التسعة والعشرين الأولى, ثم تناوب على رئاسة الحكومة بضع مرات في الأعوام اللاحقة.
اليمين القومي والديني عامة والليكود بوجه خاص يرى ان من مصلحته الآن إسقاط اولمرت والدعوة مباشرة الى انتخابات مبكرة , فهو يرى أيضا ان مجمل الظروف السياسية تخدم مصلحته في الوصول الى السلطة في إسرائيل , فكاديما ضعيف جدا لا يستطيع ان يؤثر على بعض أعضائه الذين تركوا الليكود للعودة إليه , الى جانب ضعف حزب العمل وتآكله وتراجع دوره , ثم انه لا يريد إفساح المجال أمام أي اصطفاف حزبي على قاعدة التسويات الجارية سواء على المسار الفلسطيني أو السوري بحكم رؤيته القائمة على عدم تقديم أية تنازلات على المسارات المذكورة , ومن هذا المنطلق , يرى رئيس الليكود, بنيامين نتنياهو, أن موفاز ليس شخصا لامعا (ولن يبدو أبدا على أنه الأمل الأبيض الكبير أمام الليكود). ويعتبر أنه بعد انتخابات عامة يخوضها كديما بزعامة موفاز, سيحسب كديما على كتل اليمين. ويأمل نتنياهو أيضا أن يتمكن من جر موفاز للعودة, مع قسم كبير من كديما, إلى الليكود مقابل, مثلا, تعيينه وزيرا للدفاع. وفي المقابل, يرى نتنياهو أن ليفني ستُضعف, بالحساب النهائي, كتل اليمين بعد الانتخابات.