ذلك عندما استضاف وجهاً نسائياً من عمان, هو وجه الاعلامية وعضو مجلس الأمة -(منى محفوظ).
لقد شدتني هذه السيدة لمتابعة البرنامج حتى نهايته, لا لأنها اعلامية -بل لأنها امرأة اخترقت العادات والتقاليد واستطاعت اثبات وجودها بحرية لم تدفعها كسواها للبحث الضال عن جدوى الذات ودون جدوى.
ببساطة وأناقة ومعرفة ورقي في الحديث, تدرجت في الكلام منذ التربية التي تلقتها في أسرتها التي كانت تنتمي إلى قبيلة, رغم سلبياتها كان لها من الصفات الحميدة (التكافل الاجتماعي في جميع المناسبات) ما ساعدها على أن تصل إلى ما وصلت إليه.
تحدثت أيضاً عند دعم والدها وتشجيعه لأولاده وتحديداً الفتيات, ذلك في الوقت الذي كان يعاب فيه على الفتاة أن تنخرط في المجتمع, لكنها وطمعاً في الميراث الذي قرر والدها ألا يترك لها سواه, وهو (الدراسة والعمل) حققت أكبر ثروة في حياتها.
منذ السبعينيات اقتحمت بنجاح مجال الاعلام وطورت نفسها بما تملكه من مثابرة ومقومات تفادت بها استنكار الجميع لهذا العمل.. بل جعلت كل من حاربها يقدم لها الولاء والاحترام الذي فرضته رغماً عن الظروف والموانع التي لم تثبط من عزيمتها.
شيئاً فشيئاً, ومع واقع الحياة الاقتصادية في عمان, وبتشجيع من السلطان في خطاباته وما أصدره من قوانين تحث على تعلم المرأة وعملها تماماً كالرجل.. بدأت الأسر تعلم بناتها وتدفع بهن إلى العمل حتى بدا وجود المرأة في أي مجال شيئاً طبيعياً جداً..
أكثر ما اعجبني في حديث هذه السيدة قدرتها على ايصال الهدف من الكلام إلى ذاكرة المشاهد فكيف ننسى ما قالته عن الدموع التي سكبتها عندما اخبروها بأنها اصبحت عضواً في مجلس الأمة -لا دموع الفرح بالمنصب الذي تحلم به كل امرأة بل دموع الحزن خوفاً من فقدان أسرتها -بيتها.
نعم, فلقد اعتبرت أن مبنى الاعلام بكل حجر ومكتب وزاوية هو بيتها, وكل ما فيه من موظفين واعلاميين هم افراد اسرتها, ما دفعها لمقابلة الوزير طالبة منه أن يعفيها من المنصب الجديد ويبقيها في عملها بالاعلام وتقديم البرامج لكنه أخبرها أن بإمكانها البقاء في عملها إضافة إلى كونها عضواً في مجلس الأمة.
لقد سردت الاعلامية (منى محفوظ) الخطوات التي اتبعتها في عملها إلى أن أثبتت نجاحها قائلة: (الشدة في العمل تسبب خوف العاملين من المدير, وبالتالي هذا يفسد العمل, والمدير الناجح هو الذي يحترم الآخرين ويشاركهم حياتهم ومعاناتهم ويكون صديقاً لهم, العصا تخيف العامل الذي من حقه انتظار سماع كلمة تشجيع ومديح لأنه يعمل فوق طاقته).
وعن المرأة الإدارية, رأت أن عليها أن تكون أماً للجميع حتى وإن البعض ممن يعمل لديها أكبر سناً منها.
وهكذا استطاعت هذه السيدة أن تحقق أشياء كثيرة في بلدها رغم الصعوبات التي تعرضت لها, ومن خلال التطور التكنولوجي حققت أيضاً نقلة كبيرة للمرأة في عمان.
هي تعتقد أن الفتاة في أي مجتمع هي الوحيدة القادرة على إثبات جدارتها وإلا فهي ضد نفسها قبل أن يكون الرجل والقبيلة والتقاليد والقوانين ضدها.
واتساءل: يا ترى كم نمتلك في وطننا العربي مثل هذه السيدة التي عملت في مجال الاعلام والإدارة سبعة وعشرين عاماً, أخذت منه خلالها حب الناس واحترامهم بينما أخذ حياتها الاجتماعية بأكملها?!
كم نمتلك من امرأة رغم انشغالها بالعمل والمناصب, لم تبتعد عن شؤون أسرتها وبلدها وايمانها بتعليم الاطفال والشباب والنساء والرجال, حب الوطن والسعي لتقديم ما أمكن لإعلاء شأنه!
بل كم نمتلك من قائد يقول كما قالت: عندما يعشق القائد الأرض فالشعب مرغم أن يشتم مع الهواء ويشرب مع الماء هذا الحب.
سعدت بهذا الوجه, وفخرت بامرأة عربية اعادتني إلى مجد المرأة بعدما انستني شاشات البحث عن المرأة الأجود شكلاً ولوناً, بأن المرأة العاقلة مجاهدة.. فكفى ولنسقط رداء زمن الحرية الزائفة التي رصعتنا كنساء وصلبتنا على هامش المتعة لا التاريخ.