تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وجـــع «شـــارون أولـــدز» الشـــعري يوصلهـــا إلـــى جائـــزة اليــــــوت: «لا مكـــــــان لشـــــــاعر علـــــى مائــدة العـــار»

فضاءات ثقافية
الثلاثاء 22-1-2013
الوجع يوصل أحياناً إلى المجد! هكذا كان الحال مع الشاعرة الأميركية شارون أولدز، فقصائدها الملتاعة بعد أن هجرها زوجها قبل خمسة عشر عاماً، جلبت لها جائزة «ت.س. إليوت» عن ديوانها «قفزة الأيل».

شارون أولدز «سبعون عاماً» الأم لابنين، هي أول أميركي يفوز بالجائزة منذ عام 1995. كانت قد كتبت قصائدها، بعد أن أجج زوجها الألم في أحشائها وهو يتركها من أجل امرأة أخرى.‏

كتبت النصوص لتبث في نفسها شيئاً من الأمل، وهذا الأمل الشعري جلب لها مجداً أدبياً عبر جائزة «اليوت» الشعرية التي تمنح سنوياً في بريطانيا تخليداً للشاعر الراحل، منذ عام 1993 من قبل جمعية الشعراء، وقيمتها 15 ألف جنيهاً استرلينياً.‏

سبق وأن نال الجائزة شعراء مهمون مثل: تيد هيوز، كارول آن دافي، وشيموس هيني.‏

لم تنشر شارون أولدز القصائد حينها خشية على أولادها بعد فراق زوجها لها، لكنها استعادت شيئاً من رباطة جأشها عام 2012 لتنشر «حسرتها» في مجموعة «قفزة الأيل» وتنال بها اليوم أهم الجوائز الشعرية.‏

وعندما أطلق سراح القصائد بعد سنوات من الاختفاء بين متن الدفاتر القديمة، أوفت شارون أولدز بعهدها لأولادها بعدم نشر أي شي عن الجرح العميق الذي تركه أبوهم بفراقها، قبل عشرة أعوام.‏

القصائد محملة بكم من التساؤلات، هي تتحدث من ذاتها تحديداً ولا تلوم الرجل المهاجر من أجل امرأة أخرى، كانت لحظة شعرية مكبلة بالأسى والمرارة، لكنها عندما تستعيدها اليوم، وتحديداً بعد أن نالت الجائزة الأهم، تعترف كم كان «الوجع شعرياً»! الأمر الذي دفع رئيس لجنة تحكيم الجائزة الشاعرة كارول آن دافي إلى وصف القصائد بالمفعمة بـ»النعمة الهائلة والشهامة».‏

وقالت دافي: «من بين 130 ديواناً تنافسوا على الجائزة كانت قصائد شارون أولدز في «قفزة الأيل» الأكثر تأثيراً على ذائقة أعضاء لجنة التحكيم، وخصوصاً طغيان حس المرأة فيها».‏

تقول أولد: «أنها لم تكتب قصائد تحت وطأة التذكر والاسترخاء، بل كانت وليدة نتاج العاطفة الشديدة في حينها، بالرغم من إحساسها بأنها كانت قصائد شخصية جداً، وشعرت بعدها إنها ليست مثلما تريد».‏

وتتذكر الأيام المُعذبة آنذاك مابين الألم الذاتي بعد هجر زوجها وبين العمل الشاق للكتابة الشعرية، كأنها مخاض ولادة جديدة من دون أن تنتهي بمولود يبدد الألم ويفرح الأم، كانت تسأل نفسها باستغراب: «هل حقاً أنا أعرف ذاتي؟» من هذه الأجواء ولدت قصائد «قفزة الأيل».‏

وبرأيها أن القصيدة هي «كشف المكان الخطر فينا» بما يُشبه الغوص غير الآمن في الأماكن الأكثر عمقاً، ودفئاً داخلنا.‏

شارون أولدز المولودة في ولاية سان فرانسيسكو عام 1942، «نشأتُ في جحيم كالفيني» لكنها ترى ثمّة أدب عظيم، وأدب سيء في الكنيسة، العظيم هو المزامير، والسيء هو التراتيل.‏

كانت في سنوات المراهقة عندما لاحظَتْ أنها تميل إلى الإلحاد، وضد أي شكل من أشكال التعصب الديني، وربما لهذا السبب وقفت بعدها بشجاعة ضد تدمير بلاد النهرين، أبان احتلاله من قبل القوات الأميركية عام 2003، ونظرت إلى دعوات بوش آنذاك بأنها نوع من أنواع القتل الممنهج للبشر.‏

حينها رفضت دعوة رسمية من سيدة البيت الأبيض لورا بوش، وكتبت: «لا مكان لشاعر على مائدة العار» تخاطب فيها زوجة الرئيس الأميركي السابق: «فكرت أني قد أحاول أن أجد طريقاً، حتى بصفتي أحد ضيوفك، مع احترامي، للتحدث عن مشاعري العميقة بأنه ما كان يجب علينا أن نغزو العراق، وأن أعلن عن إيماني بأن الرغبة في غزو ثقافة أخرى، وبلد آخر – وما أسفر عنه من خسارة في الأرواح أو بتر أطراف جنودنا الشجعان، وكذلك غير المقاتلين المقيمين على أرض وطنهم– هو ليس نتاج ديمقراطيتنا، بل على النقيض من ذلك هو قرار اتخذ من الأعلى وفرض على الشعب بلغة مشوهة، وقصص لا تمت للحقيقة بصلة».‏

وتقول في الرسالة التي لاقت صدى إعلامياً وأدبياً واسعاً في حينها: «لكنني آمل أن أعبر عن المخاوف التي بدأنا نعيشها في ظل الطغيان والشوفينية الدينية– عدوة الحرية، والتسامح، والتنوع الذي تطمح إليه أمتنا. حاولت أن أرى طريقي واضحاً للمشاركة في الاحتفال كي أتحمل مسؤولياتي– كمواطنة أميركية تُحب بلدها ومبادئها وكتاباتها– ضد هذه الحرب غير المعلنة والمدمرة. لكني لم أستطع أن أقبل فكرة أن أتناول الغداء وأكسر الخبز معك».‏

وتعبر بحس أميركي مخلص للحلم التاريخي: «عرفت أني إذا ما جلست لآكل الخبز معك، فإني سأشعر نحو نفسي كما لو كنت قد غفرت لما أراه شراً، أو تغاضيت عن الأعمال الاستبدادية لإدارة بوش. أول ما خطر إلى ذهني أني سأتناول الطعام من يد السيدة الأولى التي تمثل الإدارة التي أطلقت هذه الحرب والمصرة على مواصلتها، إلى حد أنها سمحت «بتخلٍ لا نظير له» عن القيم والأخلاق عندما سمحت بنقل أشخاص عن طريق الجو إلى بلدان أخرى كي يتم تعذيبهم هناك نيابة عنا».‏

مهما يكن من أمر فإن شارون أولدز التي سبق وأن حصلت على جوائز قبل جائزة «ت. س. اليوت»، منها جائزة فرانسيسكو، ولامونت، وجائزة حلقة نقّاد الكتاب القومي، تمتلك لغة شفّافة صادمة، كما يصفها بيلي كولينز: «إنها شاعرة المفاجآت اللغوية». ‏

تتداخل في قصائدها مواضيع الحب، والجنس، وعنف المشاعر المتناقضة، عندما تُطلِق هذيان المكبوت بدون أي تفاصيل تجميلية، وكأنها تحفر في الداخل لتمزج السواد والبياض على الورق. ‏

مازالت تحب الكتابة بالقلم وتشعر أن علاقتها بالدفاتر، أكثر بكثير من العلاقة اليومية الشائعة مع حقائب التسوق والتجوال أمام متاجر البقالة.‏

وسواء كانت القصائد التي نالت عليها جائزة «ت. س. اليوت» متعلقة بطفولتها أو بمحنتها مع زوجها، فأنها لاتنفي أبداً، تعلقها بكتابة السيرة الذاتية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية