تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لنقرأ حكايـــــتنا السوريــــة مـــــن جديـــــد..

مجتمع
الثلاثاء 22-1-2013
غــانــم مــحــمــد

في مثل هذه الأيام من عام 2011 بدأ ما سارع الغرب إلى تسميته بـ (الربيع العربي) وهو – أي الغرب – يعلم لو أنه ربيع حقيقي لما سمح بكتابة أي سطر في مشواره، ولكن أكثر ما نركن نحن العرب إلى المصطلحات دون مناقشة مضمونها أو معرفة مراميها، وقد مضت سنتان على هذه (الموضة) التدميرية وقد مرّت خلال هاتين السنتين بأكثر من موقف وتلوّنت بأكثر من لون..

الربيع العربي حوّل مصر الشقيقة من قوة كامنة قادرة على الانبعاث الإيجابي في أي لحظة إلى ساحة وساحة مضادة فكان فرق القوة صفراً وهو ما سعى إليه الغرب، ولأن هذا الغرب خشيَ من استفاقة أشقائنا المصريين على حقيقة ما حدث فيلتفّ على المؤامرة ويطوّقها ، سارع إلى شقّ الشارع المصري إلى شارعين سيشغلهما الصراع الداخلي بينهما طويلاً وهو المطلوب أمريكياً..‏

الربيع العربي المزعوم حيّد تونس كلياً عن عالمها العربي وأنهكها بصراع التيارات والأفكار المتناحرة وهذا لا يخرج عن إطار المطلوب أمريكياً وصهيونياً ومالت الأمور في اليمن إلى ذات الوجهة..‏

والربيع العربي الذي تشدّقوا به كثيراً أزاح عن الوجود العربي دولة مهمة هي ليبيا الخضراء وإن كانت جغرافيتها ما زالت على الأرض لكنها تتآكل من الداخل إلى أن يحين موعد الضربة القاضية التي تخرجها وإلى الأبد من حسابات الوجود العربي..‏

والربيع العربي الذي صُنع في معامل بارود الغرب وأوروبا أراد أن يضرب قلب العروبة وحاضنة كرامة العرب سورية فأمطر حقده إرهاباً وخراباً وقتلاً وتمثيلاً لكن الطرق التي قادتهم إلى ما يريدون في مصر وتونس واليمن وليبيا وقفت بوجههم في سورية وقالت لهم: عودوا إلى التاريخ فهو حتماً سيخبركم أن الشآم ما ذُلت يوماً ولن تُذلّ في أي يوم، لكنه الجنون يدفعهم إلى مزيد من النار والعنف والدمار..‏

هل نتحدث عن هذا الاختلاف لأننا سوريون فقط أم أنه حقاً هناك اختلاف جوهري وهذا الاختلاف هو الذي جعل السوريين يصبرون ويصمدون ما يقارب السنتين ويبقون على استعدادهم على الصبر والتحمل لعقدين وأكثر إذا ما تطلب الأمر ذلك؟‏

في سورية، وقبل أن تترك هذه الأزمة بعض آثارها على سلوك السوريين، كان أي سائق سيارة عابرة من دمشق إلى حمص أو من حلب إلى اللاذقية أو في أي مكان يقف ليقلّ معه أي شخص من أي مكان وفي أي وقت، ويوصله إلى حيث يريد دون أن يسأله عن اسمه أو من أي محافظة هو أو ماذا يعمل أو إلى أي تيار سياسي ينتسب، يقوم بهذا الأمر لأنه سوريّ ولأن من أقلّه معه يتنفّس هواء سورية ولو كان من أي بلد آخر..‏

في سورية، إذا تعطلّت بك السيارة على طريق عام فإن عشرات السيارات المارة تقف تسألك إن كنتَ بحاجة لأي مساعدة..‏

في سورية، بإمكانك أن تدقّ باب جارك بأي وقت تطلب منه بعض الخبز إن نفد الخبز من بيتك، وبإمكانك أن تملأ صهريجك بالماء من أي صنبور دون أي مقابل...‏

في سورية بإمكانك أن تستأذن أي شخص باستخدام هاتفه الجوّال إن نفد رصيدك دون أي حرج ودون أن يشعرك الآخر بأنك تثاقلتَ عليه..‏

لا نقول إن كلّ شيء على ما يرام وأننا نعيش في مجتمع طوباوي لأن هذا الأمر غير ممكن ولكننا نشير إلى جوهرنا كسوريين حقيقيين ولأننا هكذا ننتصر الآن على المؤامرة ونتجاوز ويلات ما رُسم وخُطط لنا، ومن الطبيعي أن تؤرق عيوننا مناظر الخراب التي أصابت بلادنا لكن سنمسح هذا الأرق بعزيمة كبيرة على إعادة إعمارها أجمل مما كانت ونتحدّى أنفسنا في هذا السياق ولا نتحدى أحداً...‏

قالها بعضنا في لحظات ضيق وتعب: لماذا نحمل العروبة فوق ظهورنا في الوقت الذي يموّل فيه الأعراب المؤامرة الكونية على سورية، ولماذا نتمسّك بما تخلّى أهله عنه و...‏

وقلناها ونقولها على الدوام: العروبة ليست بعض الأعراب الذين نكرههم، وقضية فلسطين ليست بعض الفلسطينيين الذين قبضوا ثمن تخلّيهم عن قضيتهم ريالات ودولارات ومهرجانات خطابية..‏

منذ أول شهيد قدمته سورية دفاعاً عن كرامتها وعن وجودها وحتى الشهيد الذي يُزفّ في هذه اللحظة أو الذي سيُزفّ في أي وقت قادم فإن الشهيد بقيمته وبتكريمه وبحضوره على ذات القدر من حفاوتنا وتكريمنا وتقديرنا، ومنذ اليوم الأول للأزمة وحتى اليوم ونحن على نفس الوعد: أرواحنا فداء لسورية، ومنذ الأزل وحتى نهاية الكون ستبقى سورية سيدة نفسها وسيبقى السوريون أسياداً ولو كره المارقون، ولهذا كله نعيد قراءة الحكاية السورية ونتمنى لو أن الأشقاء في الدول التي ذكرناها قد استفادوا من المكونات الراسخة للشعب السوري واستخدموها في الحفاظ على بلدانهم التي نتقطّع ألماً على ما أصابها، أما خريف بعض الأنظمة العربية المتخبطة في جهلها والقابعة في خوفها على مستقبلها فلا بد أن يأتي كالحاً على وجوه هذه الأنظمة التي أسمت أنفسها عنوة وبهتاناً (أصحاب الجلالة).‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية