تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حوار الهوية..

الثلاثاء 22-1-2013
سعد القاسم

يصعب تدوين تاريخ موحد للفن التشكيلي العربي الحديث، بسبب اختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية بين بلدانه،

ومع ذلك فإن الفترة الواقعة بين أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين قد تصلح كبدايات لتأريخ هذا الفن في عدد من حواضره المهمة. ففيها بدأت تتشكل من جديد معالم الهوية الثقافية العربية مع تفكك الدولة العثمانية،وكان الفن التشكيلي الوليد مُعّبراً بشكل ما عن هذه الهوية الطامحة إلى استكمال مكوناتها.‏

وإذا استثنينا تجربة الجزائري (محمد راسم) التي استلهمت المنمنمات الإسلامية في تناول مواضيع معاصرة، وكذلك تجربة الرسامين الشعبيين الفطريين في سورية وتونس التي استعادت الأساليب الفطرية في تصوير الأساطير الشعبية، فإن معظم التجارب الفنية العربية قد اعتمدت الأساليب الغربية السائدة حينذاك. وكان كثير منها يسعى لتحقيق انتمائين بآن واحد: إلى المحيط المحلي وثقافته وتراثه. وإلى الأشكال الراهنة للفن العالمي (الغربي). وفي إطار هذا البحث الثنائي ظهرت في التجارب الفنية الأولى الاتجاهات الأوروبية المنتشرة حينذاك وخاصة الواقعية والانطباعية. مع حرص على اعتماد الموضوع المحلي في محاولة توفيقية بقيت موضع نقاش دائم. وفي وقت تالٍ ظهرت في التجارب التشكيلية العربية الاتجاهات التي تسعى للتأصيل عبر إعادة وصل الفن العربي الحديث بجذوره القديمة، إما بالعودة إلى تراث الفنين المسيحي والإسلامي، وإما بالعودة إلى التراث الفني للحضارات القديمة التي قامت على الأرض العربية.. وبدخول اتجاهات التجريد والاتجاهات التعبيرية ساحة الإبداع التشكيلي العربي في العقود الوسطى من القرن العشرين. صارت الخلافات الفكرية في الرؤى الفنية وحول الفن تشكل زادا لشرائح اجتماعية تقف موقف الرافض للفن التشكيلي بمجمله، معتبرة أن في اتجاهاته الواقعية ما يتعارض مع مفاهيمها الثقافية. وفي اتجاهاته التعبيرية والتجريدية ما هو عصي على الفهم. وبالتالي فهو غير مبرر.‏

بالتزامن مع التحولات السياسية والثقافية الكبرى أواخر القرن العشرين، أشاحت شرائح واسعة من المجتمعات العربية بوجهها عن الفنون المعاصرة، لكن السبب الأساسي الذي أدى إلى اتساع الفجوة بين الفن التشكيلي والجمهور،. يعود إلى ضعف الثقافة الفنية المجتمعية. لقد راكم الفن التشكيلي العربي في مختلف حواضره على امتداد العقود الماضية تجارب غنية ووفيرة. ولكن علاقته مع جمهوره ظلت تشكو الوهن معظم الأحيان بسبب أن تطوره كان نتيجة محاولته محاكاة الفن العالمي (الغربي).لا نتيجة تطور ثقافة مجتمعه،وذائقة جمهوره. وفي حين تمتلك الكثير من التجارب الفنية العربية المعاصرة، وبعض تجارب الفنانين الشباب، أهمية إبداعية وفكرية كبرى. فإن الفجوة التي تفصل الفن التشكيلي العربي المعاصر عن جمهوره تبدو أنها إلى اتساع، وتزداد بالتالي أسئلة الهوية والعلاقة بالمحيط والانتماء وصولا للسؤال الأهم حول امتلاك الفن التشكيلي العربي لهوية ثقافية واضحة. وهو سؤال تزيد صعوبة الإجابة عليه تباعد التجارب التشكيلية العربية عن الحوار (البيني) وضعف معرفة الجمهور في بلد عربي بالإنتاج الإبداعي التشكيلي العربي في بلد آخر.‏

و كيف لا ما دامت معرفة الجمهور بالفن المنتج في بلده هي ضعيفة أصلا؟..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية