ما انفكت إيران تؤكد باستمرار عدم رغبتها بتصنيع أو امتلاك الأسلحة النووية، حيث قال المرشد الأعلى أية الله علي خامنئي في هذا السياق بأن امتلاك الأسلحة النووية لا يتفق مع التعاليم الإسلامية، ويرى بأن التهجم على البرنامج النووي ليس في واقعه إلا ذريعة للغرب وللولايات المتحدة ترمي لإسقاط النظام في هذا البلد، وأنه من غير المسوغ أن تحرم إيران من حقها في القيام بإجراء أبحاث للطاقة النووية السلمية وتطويرها.
على الرغم من كل ما قيل بهذا الشأن مازالت الولايات المتحدة وإسرائيل متمسكتين بادعاءاتهما القائلة بأن الهدف من البرنامج النووي الإيراني هو تصنيع السلاح النووي وأنه في الحال التي تمتلك بها إيران القوة النووية فإنه لا بد من حصول تسابق في الشرق الأوسط على امتلاك ذلك السلاح مما يفضي إلى انهيار الاتفاق الذي يقضي بحظر انتشار الأسلحة النووية في العالم ويتسبب بكابوس للولايات المتحدة.
بناء على رغبة واشنطن أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عدة قرارات بشأن فرض عقوبات على إيران وأضيف إليها القرار الذي أصدره رئيس الولايات المتحدة بتاريخ 31 كانون الأول من العام الفائت (الذي يطلب من الدول إجراء تخفيض ذي أهمية في كمية النفط الخام المستورد من إيران، أو أنها ستواجه بعقوبات تفرض عليها أيضا) وإزاء ذلك فلم تعد العقوبات تطال الحكومة الإيرانية فحسب بل تطال الشعب الإيراني برمته نتيجة لما تفضي إليه من تردٍ في الوضع الاقتصادي ولاسيما أن صادرات النفط تمثل 80% من الصادرات الإيرانية إلى الخارج وتغذي 50% من ميزانية الدولة، يضاف إليها ما تعانيه إيران من معضلات اقتصادية جراء انخفاض قيمة الريال الإيراني بنسبة 40%.
على الرغم مما أحدثته العقوبات من آثار سلبية على إيران فما زالت القضية النووية الإيرانية تمثل تحديا جسيما لإدارة أوباما. والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: هل ستفلح العقوبات الجديدة بتحقيق ما تبغيه واشنطن من نتائج؟ ونجد الإجابة في الآتي:
أولا، لا ريب بأن تلك القرارات قد أفضت إلى انخفاض صادرات النفط إلى أدنى مستوى لها على مدى سنوات طويلة وانعكست سلبا على شعوب دول أخرى أيضا. لكن الهند والصين وهما من كبريات الدول المستوردة للنفط من إيران مازالتا على عهدهما باستيراده ولهما مصالح مشتركة مع هذه الدولة وليستا بحليفتين للولايات المتحدة لذلك فإن البلدين سيستمران بالعلاقات التجارية القائمة مع إيران للمحافظة على ضمان سلامة وصحة اقتصادهما.
ثانيا، إن مراهنة الولايات المتحدة على تدهور الوضع الاقتصادي جراء العقوبات التي فرضتها سيفضي بالضرورة إلى تصاعد استياء الشعب الإيراني ضد حكومته أمر نفاه الواقع وأعطى نتائج سلبية على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد بدا ذلك جليا في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في إيران والتي تبين منها بأن الشعب قد زاد في تأييده الحزب المتشدد المحافظ الذي يمثله خامنئي.
ثالثا، يتخذ الجمهوريون من إحجام أوباما عن توجيه ضربات عسكرية ضد إيران ذريعة للإقلال من شأن إدارته وبهدف كسب الرأي العام لصالحهم في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في الوقت الذي يعلنون به عزمهم على استخدام القوة العسكرية ضد إيران لذلك توجه أغلب المرشحين للرئاسة عن الحزب الجمهوري لانتقاد لأوباما واتهامه بالضعف والتخاذل أمام إيران. وقد جاء رد فعل أوباما بانتقاده لما ذهب إليه الجمهوريون واعتبر ادعاءاتهم وأقوالهم لا تنم عن شعور بالمسؤولية. ومع ذلك يبدو بأن المتنافسين الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في شهر نوفمبر سيواصلون استخدام تلك الذريعة للضغط على أوباما. أما بالنسبة لإدارة أوباما فقد استمرت بممارسة المزيد من الضغوط على إيران قائلة بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة وأن المساحة التي يشغلها الحل الدبلوماسي قد أخذت بالانحسار.
رابعا، هل ثمة احتمال لقيام إسرائيل بتوجيه ضربة إلى إيران؟ لقد حث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة على اتخاذ إجراءات رادعة ضد إيران وذلك خلال الزيارة التي قام بها إلى الولايات المتحدة في مطلع الشهر الجاري مدعيا بأن العقوبات لن تجدي نفعا. مشيرا إلى احتمال اتخاذ إسرائيل لقرارات وإجراءات أحادية الجانب لأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام امتلاك إيران للسلاح النووي. وهنا نتساءل إلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة التأثير على القرار الإسرائيلي، وماذا ستفعل لمنعها من زج المنطقة في حرب أخرى من خلال شن ضربات عسكرية من قبلها على إيران؟
في حمأة ما يدور من شكوك حول هذا الموضوع يأمل جميع الأطراف ظهور مبادرات جديدة تنبثق عن الاجتماعات المقبلة التي ستعقد بين الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وإيران لعلها تسهم في حل المعضلة القائمة.
بقلم: تاو وينهو