«الأمر الأهم الذي لا بد أن يوصلنا إلى هذا الحل هو أن تمسك إدارة الرئيس أوباما بزمام هذه المسألة منذ اليوم الأول لتسلمها سلطاتها الرئاسية في البيت الأبيض» في حين أن الرئيس الفرنسي ساركوزي أكد في أكثر من موقف له أن قيام الدولة الفلسطينية في إطار سلام عربي إسرائيلي هو الضمانة الوحيدة لأمن إسرائيل على المدى الطويل، وكثيرة هي المواقف الأوروبية الأخرى التي تلمح إلى ضرورة إعادة الحق لأصحابه الفلسطينيين في إطار حل شامل لأزمة الصراع العربي الإسرائيلي، لكن يبدو أن هذه الحلول مرتبطة بشكل أساسي بمسألتين أساسيتين لطالما افتقدناهما طيلة عقود زمنية مضت من عمر الصراع العربي الاسرائيلي هما الموقف الأمريكي الداعم والمنحاز بلا حدود لاسرائيل على حساب الحق العربي وثانياً فقدان الموقف العربي الفاعل والمؤثر لدعم ذاك الحق العربي وبالتالي لدعم حل عادل وشامل يعيد الحقوق لاصحابها الشرعيين.
ففي المسألة الأولى أي في الموقف الأمريكي المطلوب لكي ينظر بعينين اثنتين لا بعين واحدة إسرائيلية محضة يتلخص هذا الأمر في إمكانية إدارة الرئيس الأمريكي أوباما من التخلص من الماضي المظلم والأسود للإدارات الأمريكية السابقة التي تعاقبت على التوالي في دعم وحماية إسرائيل ومنطقها العدواني على حساب الحق العربي، ولعل هذا الأمر يتطلب من إدارة الرئيس أوباما أن تمتلك الشجاعة الكافية والنظرة الاستراتيجية الواضحة وقدرة هذه الإدارة على استخدامها إن كانت هناك حاجة لذلك لاستخدام قوة أمريكا السياسية في جعل إسرائيل وحلفائها داخل أمريكا وخارجها من أنه آن الآوان لاحلال السلام العادل مع العرب ولاسيما أن العرب قدموا بما فيه الكفاية من تنازلات هي بالأساس مؤلمة للغاية، لكن الطرف الاسرائيلي لم يكترث لها على الاطلاق بل قابلها كما هو معروف بأكثر من اعتداء جائر على شعبنا في فلسطين ولبنان، وهذا بطبيعة الحال ما يؤكد أن إسرائيل ما زالت بعيدة عن متطلبات السلام وعن قبولها له سوى اللهم الذي يخدم مصالحها أو أن يكون على مقاسها وحدها.
وهي تبرهن كل يوم بما تمارسه من حصار وتجويع وحرب إبادة لشعبنا الفلسطيني سواء في غزة أم في الضفة الغربية أم لشعبنا الفلسطيني داخل وطنه المحتل أي لما يطلقون عليهم عرب 1948 أنها ضد نهج السلام وهي عازمة العقد لتوسيع المزيد من حدودها سواء لأسباب دينية يمينية بحتة أو لاعتبارات الأمن القومي لها وهذا ما ظهر جلياً في تصرفات جماعة وقطعان المستوطنين اليهود ضد الممتلكات الفلسطينية على مرأى ومسمع ودعم من الجيش الاسرائيلي دون أن يحرك ساكناً ضدهم، في حين تقوم مجموعات حفظ استيطانية وكافة الكتل السياسية في الساحة الإسرائيلية من متدينين ويمينيين بالضغط على الوزيرة ليفني التي تحاول جاهدة تشكيلها الحكومة الاسرائيلية الجديدة بعدم تخليها عن الضفة الغربية وعن الجولان وعن القدس الشرقية وعن الجزء المحتل من جنوب لبنان.
إن إدارة الرئيس أوباما آن لها أن تدرك جيداً أن دعم أمريكا اللامحدود لاسرائيل منذ ولادة هذا الكيان الغاصب وإلى اليوم وما شنته من أجلها من حربين ظالمتين ضد العراق وأفغانستان وعدم مبالاة تلك الإدارات الأمريكية السابقة بالتوسع الاستيطاني اليهودي في الأراضي العربية المحتلة ودعم الإدارة الأمريكية الحالية للحرب العدوانية التي شنتها إسرائيل في صيف عام 2006 ضد لبنان ،كل ذلك أدى بالفعل إلى تأجيج المشاعر العربية المعادية لامريكا وبأن هذه السياسة الأمريكية في حال استمرارها مع إدارة الرئيس أوباما الجديدة سيعود بالضرر على المصالح الأمريكية أضعافاً وأضعافاً عما هو عليه اليوم، وهذا بطبيعة الحال تحد واضح يواجهه الرئيس أوباما فهو يعرف ما عليه وما يجب فعله إن كان عازم العقد لإعادة الأمن والاستقرار إلى الشرق الأوسط وهو الرجل الذي أظهر أنه يملك طباعاً هادئة وكيف يسيطر على غضبه ولأنه هكذا فالرهان اليوم عليه هل يمكن أن يفعل الأمر نفسه مع إسرائيل كي يلجم طموحاتها التوسعية العدوانية في وقت يدعوها فيه إلى طاولة المفاوضات الجادة مع العرب.
كما أن الرئيس أوباما هو الأعلم بأن عصراً جديداً قد دخل من بابه الواسع لعالم متعدد الأقطاب وهو ما يؤهله كي يكون في مقدمة هؤلاء الأقطاب الساعين لعالم أكثر أمناً واستقراراً وربما يكون الشرق الأوسط الأكثر حاجة لسلام آمن ومستقر عن غيره هو في مقدمة انجازات الرئيس أوباما المنتظرة والذي رأى فيه العالم بفوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية بوابة العبور لتغيير إيجابي في العالم لصالح لغة العدل والحق والسلام.
أما المسألة الثانية المتعلقة في إمكانية تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة العربية في عهد الرئيس أوباما فهي ما يتعلق منها بالموقف العربي، إذ إن هذا الموقف بضعفه وتشتته الحالي وتشرذمه المؤلم إذا ما استمر الحال على ما هو عليه اليوم فهو بطبيعة الحال ستكون نتائجه أكثر سوءاً لهذه الأمة وإذا ما امتلك هذا الموقف لغة جديدة من إرادة الفعل العربي الصادق لحماية المستقبل العربي والوجود العربي، فهو بطبيعة الحال سيكون موقفاً مؤثراً في جعل العالم يسمعنا ويحترم ما نقرره ونطرحه ولعل الرئيس أوباما وإدارته سيكونون من أوائل هؤلاء الذين سيصغون إلى لغة العقل والحكمة الساعية للسلام العادل واستعادة الحقوق وهي أمنية ليست مستحيلة المنال بل هي في متناول اليد، وما علينا كأمة إلا أن نمتلك لواء الأمانة بشرف ومسؤولية.