فقد انتظر هذا الصحفي فرصته، وكان له ما أراد فعبر عما يخالج عرباً كثيرين لم تسنح لهم الفرصة في الوقوف وجهاً لوجه أمام جورج بوش ولو حدث ذلك لفعلوا ما فعله الزيدي وأكثر لو استطاعوا سبيلاً.
منتظر الزيدي عبر عن موقف تعجز عنه الأفلام، وعن رأي لا يجرؤ عليه أحد... وفي أوجه أقوى رؤساء العالم وأشدهم بطشاً وعنصرية. لقد عبر من خلال عمله عن يأس العراقيين الذين لم يبق لديهم من سلاح ضد المحتل الأمريكي سوى الحذاء، الذي كان السلاح الوحيد المتوفر لديه، ليصنع لحظة تاريخية.
لم يشأ الزيدي أن تمر زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش من دون وداع خاص يعبر فيه عن آلام الشعب العراقي، وعن المرارة والاحتقان المزمن والغضب الكامن في النفوس تجاه أعلى سلطة في التاريخ محتلة، مجرمة، ظالمة، فرماه بحذائه، وهو يصرخ في وجهه «هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب» وعندما لم يصبه بادره بالحذاء الثاني صارخاً « هذه من الأرامل والأيتام والناس الذين قتلتهم في العراق».
الزيدي المعروف بطباعه الهادئة مع زملائه ومناهضته للاحتلال من خلال التقارير التي يبثها من شاشة « قناة البغدادية»، كان قد تعهد قبل أشـهر بتنفيذ الهجوم، حيث توعد أمام عدد من الصحافيين بأن يلقي حذاءه على رأس بوش إذا سنحت له الفرصة بحضور مؤتمر صحافي له، إلا أن الآخرين اعتبروه مجرد كلام ليس أكثر.
يقول عنه زملاؤه إنه كان مخلصاً في عمله وقد أصبح رئيس فريق المراسلين في المحطة الشهر الماضي.
ويضيف أحد زملائه : كانت لديه مشاعر سلبية تجاه قوات الاحتلال، وهو غالباً ما يختم تقريره بعبارة « منتظر الزيدي من بغداد المحتلة».
وسائل الإعلام الأميركية أفردت مساحات واسعة من إصداراتها للحادثة التي أجمعت على وصفها بأنها «أكبر إهانة» يمكن أن يتعرض لها شخص في الدول العربية، واعتبرتها دليلاً على « هشاشة» الأمن الأميركي في العراق بعدما تغلب الحذاء العراقي على جميع التحصينات والأسلحة الأميركية التي أحاطت ببوش».
واعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» أن الرئيس الأميركي «ذاق بعضاً من النقمة العارمة التي تغلي بها صدور العراقيين على احتلاله لبلدهم »، مشيرة إلى أن رمي الأحذية يعتبر في نظر العراقيين « أسوأ إهانة يتعرض لها أحد، ويعني ضياع احترامه».
أما صحيفة «نيويورك تايمز» فتحدثت عن الأبعاد الأمنية للحادث، مشيرة إلى أنه بالرغم من أن المؤتمر الصحافي لبوش قد أقيم في المنطقة الخضراء، المحصنة بأحدث وسائل الحماية، فإن ذلك لم يمنع الأحذية من أن تكون سلاحاً في يد صحافي يستهدف به بوش.
من جهتها أشـارت صحيفة «الغارديان» البريطانية، التي عنونت «النعال والشتائم تنهال على بوش»، إلى أن ما قام به الصحافي يحفل بالرمزية، مضيفة أن زيارة بوش التي أحيطت بالسرية الكبيرة، كانت ستمر مرور الكرام لولا إقدام الزيدي على قذفه بحذائه، مذكرة بدورها، بأن مجرد رفع النعل في وجه الشخص يعد تعبيراً عن الازدراء.
فيما اعتبرت صحيفة « ديلي تلغراف» أن الرئيس الأميركي نجا بأعجوبة من الإصابة بزوج الأحذية».
لاشك أن منتظر الزيدي قد دخل التاريخ من أوسع أبوابه، وصار حذاؤه أشهر حذاء في التاريخ، وفي يوم وليلة ارتفعت قيمته المادية بشكل خرافي، إذ وصلت إلى عشرة ملايين دولار، واحتل صدارة الأخبار في العالم، وصار الشغل الشاغل لمتتبعي الانترنت والرسائل الهاتفية القصيرة، وتحول نبعاً للنكات على مستوى العرب والعالم.
فللمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، يغادر ساكن البيت الأبيض بضربة حذاء، وبوداع لائق في بلد يدعي بوش أنه حرره من الديكتاتورية، وبنى ديمقراطيته الحديثة.
من المؤكد أن حذاء منتظر الزيدي الذي كاد يصيب وجه بوش يعكس حقيقة رفض الشعب العراقي، ومعه كل شعوب المعمورة لكل أنواع الظلم والقهر والاحتلال والطغيان.
لقد رسمت ضربة حذاء الزيدي خاتمة لجورج بوش، رمز الطغيان ونهاية لائقة لكل محتل، التي هي بين أحذية الشعوب مهما حاول الرئيس الأميركي التقليل من أهمية رمزيتها، ورمزية ما تعرض له من إهانة واحتقار.