للرحالة الذين قصدوا بلاد الشام وأشبعوا فضولهم العلمي باكتشافات تاريخية في بلدٍ اخترع أهله الأبجدية الأولى فكانت كتبهم ومؤلفاتهم مصادر مهمة لكل الجامعات.
الرسالة العلمية
في بداية هذه الندوة التي شارك فيها عشرون باحثاً من دكاترة الجامعات «السورية، الأردنية، المصرية، اللبنانية» تحدث الدكتور غياث بركات وزير التعليم العالي: عن أهمية كتب الرحلات كمصادر تاريخية، جغرافية، اجتماعية، ثقافية لأنها كتبت من خلال معايشة الرحالة للواقع وتصوير أدق تفاصيله، وتحليل وفك رموزه ضمن منهجية علمية فيها الكثير من الفوائد مبيناً أن الجامعة هي المجال الأوسع لنشر وإيصال هذه الفوائد.
ويرى: أن اختيار الشام نموذجاً لإظهار أثر الرحلات في المثاقفة بين الشعوب يحمل دلالة تاريخية ودلالة راهنة بما تنتهجه سورية من سياسة التواصل والحوار والانفتاح على كل الحضارات..وكما كان الرحالة سفراء للمعرفة فإن العلماء والباحثين اليوم رسلٌ للكلمة الحرة أيضاً.
برنامج الكتاب الإبداعي
وبهدف دعم التواصل العلمي وتبادل الخبرات بين الجامعات السورية والجامعات الأمريكية تضمنت الندوة ورشة عمل حول الكتابة الابداعية شارك فيها دكاترة من جامعة أيوا الأمريكية بالإضافة إلى الدكاترة العرب.
وحول هذا النشاط بشكل عام يرى الدكتور أكرم القش رئيس المجلس الأعلى لرعاية الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية أنه إثراء للبحث التاريخي والاجتماعي من خلال التركيز على أدب الرحلات ولاسيما أدب الرحالة الذين زاروا دمشق وبلاد الشام تحديداً.
والتركيز على صورة الآخر في الذهنية العربية في البلاد العربية وصورة العربي عند الآخر أيضاً، إضافة إلى أن بلاد الشام كانت تركز على فكرة الحوار منذ تاريخها القديم وحتى التاريخ الحديث وعلى فكرة التفاهم مع الآخر والمثاقفة بينها وبين الشعوب الأخرى، وفكرة التسامح وتعتبر هذه البلاد مهداً لكل الرسالات السماوية التي تدعو للتسامح وللتآخي، ومن الضروري التركيز على هذا الأدب الابداعي في هذه الفترة تحديداً. والذي بدوره يركز على الحوار والثقافة في ظل دعوات التطرف ونبذ الآخر.
- وعن برنامج الكتاب الابداعي قال د. القش: إنه تم بالتعاون مع الجامعة الأميركية ايوا. وهي الأولى من نوعها ويتم فيها تبادل الخبرات وتدريب الطلبة السوريين على الكتابة باللغات الأجنبية ومن خلاله يتم استخلاص عدة نقاط وتعميم تجربة هؤلاء الطلاب على طلاب آخرين.
- وفي حديث مع البروفسور /كريستوفر مريل/ من جامعة أيوا الأمريكية قال: إنه مشرف على البرنامج الابداعي الذي كان بالتعاون مع وزارة التعليم العالي في سورية وبين جامعة أيوا.
والمفيد من هذا البرنامج أنه يهتم بموضوع الكتابة الابداعية بين الطلاب السوريين والطلاب الأميركيين ويجمع الطلاب من مختلف أنحاء العالم بشيء مشترك هو حب الكتابة، ويشير من خلال بحثه الذي قدمه إلى أهمية البحث والكتابة لخلق جسور التواصل بين الناس الذين تفصلهم الخلافات لأسباب معينة.
الحوار مع الآخر
- الدكتور شفيق محمد الرقب - الأردن قال: انعقاد هذه الندوة التي تركز على أثر أدب الرحلات بين الشعوب يدل على أن الحضارة العربية الاسلامية هي حضارة منفتحة على الآخر وتسعى إلى الحوار مع الآخر ويدل على أن سورية تنعكس عليها رؤية الماضي وهي دولة منفتحة وتسعى إلى الحوار وترفض سياسة فرض الرأي على الآخرين بالقوة.
ويضيف د. الرقب: كانت مشاركته ببحث يتحدث عن بلاد الشام في رحلة ابن جبير التي كانت في نهاية القرن السادس الهجري والتي سجل فيها الكثير من المشاهدات الهامة التي رآها إضافة إلى إعجابه الشديد بما لاحظه من تقدم علمي رعاه صلاح الدين الأيوبي والذي كان له دور كبير في قدوم طالبي العلم من الأندلس والمغرب إلى هذه الديار. إضافة إلى حديثه عن العادات والتقاليد التي لمسها في الديار الشامية.
فرصة للباحثين
- الصحفي ابراهيم السواعير - جريدة الرأي الأردنية كانت له مشاركة بعنوان تجليات صورة الآخر في الأدب العربي. قال تكمن أهمية هذه الندوة في تناولها لموضوع حوار الحضارات من وجهة نظر منطقية، ونحن نعيش في عصر لامجال فيه للتقوقع أو الانغلاق على الذات.
كما تحدث د. غياث بركات بل لابد من النظر في صورة الآخر المتلونة وتبيان الصورة المشرقة للعربي وبأنه ليس خنجراً مسلولاً في وجه الآخر وخاصة الأجنبي. ولذلك هذه الصورة تتوضح من خلال هذه المنابر.
وبهذه الندوة يتم التعرف إلى الباحثين في سورية ويتم نقل هذه الأبحاث كتجربة ويتزامن هذا كون دمشق عاصمة الثقافة العربية ومع مهرجان المسرح ويدل هذا على أن الحراك الثقافي في سورية مبشر، فهي حاضنة الأمويين ووجه العروبة المشرق ولاغنى لأي باحث أو مفكر عن المرور فيها.
وعن مشاركته قال: تحدثت عن صورة الآخر وكانت رواية /بدوي في أوروبا/ للأديب الأردني مثالاِ ونموذجاً لصورة الآخر وبعيداً عن فنية الرواية وتصنيفها ووجدت أنه كان يرمي من خلالها إلى تأكيد الذات المستقرة التي تسافر إلى ألمانيا في السبعينيات ومن خلال اطلاعه على العادات هناك لم يكن يرفض الآخر بالكلية وبالمقابل لم يقبله بالمجمل.
- الدكتور عادل عبد الحميد - جامعة أسيوط، مصر سجل العديد من الملاحظات أثناء دراسته الجامعية ومن خلال قراءاته على وجود مشكلة غير معلنة بين الباحثين الجغرافيين والتاريخيين وتبين لأهل الأدب والاجتماع بوجود صراع يؤدي في النهاية إلى التأثير في الإرث الثقافي أكثر مما يدعمه.
وبرأيه لابد من أن يشارك في أدب الرحلات كل من الجغرافي والتاريخي والاجتماعي وصاحب اللغة بحيث يدعم الأدب نفسه ولايقلل من جدواه.
وأشار إلى أن من كتب عن الرحالة العرب هو ناقل عن المستشرقين وهذه النقولات عنهم تعكس وجهة نظر المستشرق نفسه حتى لو كانت منصفة ويعتبر هذا عيباً بحد ذاته بحق العربي الذي لم يعط اعتباراً كاملاً وكما يجب للرحالة العربي نفسه وأخذ تجربة المقدسي والرحلة التي قام بها وآراء المستشرقين والعرب عنه.
وتحدث عن الاغفال الكبير بحقه من قبل العرب ذاتهم ويكفي مثالاً لهذا ابن النديم قدم عملاً اسمه الفهرست دوّن فيه كل شيء ولم يذكر اسم المقدسي فيه الذي قضى الأخير ثلث عمره في الرحلة التي قام بها والذي كان نموذجاً مشرفاً للرحالة وذا رؤية ثاقبة. وقد أخذ د.عبد الحميد بعض المقتطفات من كتابه تعبر عن المثاقفة بين الشعوب بالمعنى الصحيح.
طلب العلم
خلاصة ماتوصل إليه المشاركون والأساتذة في الندوة التي تابعت الرحالة واكتشافاتهم والمعارف التي توصلوا إليها تشكل عنصراً هاماً لدعم الكتاب الجامعي وتعزيز التبادل الفكري والأدبي والعاطفي بين الشعوب وقالوا: من الطبيعي أن تؤخذ الشام نموذجاً لأنها أذهلت العلماء والجغرافيين على مر العصور بنشاطها العلمي ومظاهر التطور العمراني والاجتماعي لديها. فكان هؤلاء العلماء يحثون على طلب العلم وعلى قصد هذه البلاد لما يتوفر فيها من الأمور التي تعين على الدراسة والتحصيل.