كما فعل منهل في التاسعة من عمره عندما عبر عن معاناته ،أتعب من كثرة الإلحاح على المارة بأن يشتروا ما أبيع وأحلم باليوم الذي أكبر فيه ليتغير حالي هذا. بينما فاطمة :(المال الذي أحصل عليه من بيع الحلوى ليس لي فأنا أسلمه لأمي حالما أصل المنزل )
وتتأزم الحالة عند عماد ما بين صراع المنزل وهموم العمل فيصفها ابن الـ 13: (انفصل والداي وبدأت متاعب الأسرة تتفاقم لم يكن أمامي سوى طرق باب العمل ليضعني الحظ في ورشة للدهان أعمل بها لأكثر من تسع ساعات مع تعرضي للضرب بحجة تعلم المهنة ناهيك عن حالتي الصحية بسبب « الربو » والظروف المالية الصعبة فلا يسعني ترك العمل والبحث عن آخر بديل.
مسألة تتطلب وقفة
وهكذا بتنا كيفما التفتنا نرى أطفالا سرقت منهم الطفولة باكرا يزجون بإرادتهم أو رغما عنهم في مهن عديدة قد لا يحتمل بعضها الشخص الراشد، إذ باتت ظاهرة تشغيل الأطفال مشكلة ملحة فثمة ما يقارب حوالي 250 مليون طفل في العالم يعملون ويحرمون بالتالي من التعليم المناسب والصحة الجيدة والحريات الأساسية وهذا ما أشارت إليه منظمة العمل الدولية وتؤكد بتقاريرها إلى أن ما يزيد على 245 مليون طفل يعمل ما بين عمر 5-17 ويتفرغ 120 مليونا منهم للعمل بشكل كامل و130 مليونا منهم يتفرغون للعمل والدراسة في آن ويعمل 179 مليونا منهم في ظروف عمل خطرة و111مليونا ممن يعملون في تلك الأعمال الخطرة هم دون الخامسة عشرة من العمر مسألة تتطلب وقفة كبيرة ومراجعة شاملة لترميم الصدع الداخلي بل استنفارا للحد من الظاهرة عبر القضاء على أسبابها ومعالجتها لأنهم ضحايا عوامل مجتمعية واقتصادية لم ترحمهم ولم تترك لهم فرصة للخيار فهم ضحايا قبل أن يكونوا أي شيء آخر.
ضعف القدرة على الاندماج
الدكتور طلال عبد المعطي مصطفى أستاذ الخدمة الاجتماعية حول عمالة الأطفال وتأثيراتها السلبية يقول: يبني الأطفال معظم خبراتهم المعرفية وتوجهاتهم النفسية من خلال مراحلهم العمرية الأولى وهي مراحل استكشاف وبناء تصورات، أما خروج الأطفال من تلك الدائرة لتشكيل الفعل وتحمل المسؤولية فإنه سلبي على سلوكهم المستقبلي ويضعف من قدرتهم على الاندماج في مجتمعهم وفق تطور علمي مدروس هذا من جهة ومن جهة أخرى عن التأثيرات السلبية تابع د. معطي لابد من التأثر على التطورات والنمو الجسدي بشكل سلبي. والتطور المعرفي نتيجة ترك المدرسة وتوجيهه للعمل ويؤدي بدوره إلى انخفاض قدراته على القراءة والكتابة والحساب. كما يؤثر على التطور العاطفي من خلال فقد احترامه لذاته وارتباطه الأسري وتقبله للآخرين وذلك جراء بعده عن الأسرة ونومه في مكان العمل وتعرضه للعنف من قبل صاحب العمل وزملائه. وكذلك التطور الاجتماعي والأخلاقي وعدم الشعور بالانتماء للجماعة وعدم القدرة على التمييز بين الصح والخطأ وكتمان ما يحصل له وأن يصبح الطفل كالعبد لدى صاحب العمل.
تشغيل الأطفال بأحكام خاصة
ونرى على الطرف الآخر هذه الظاهرة في سورية قد تزايدت مؤخرا على الرغم من أن سورية قد صادقت على كل الاتفاقيات التي تخص حقوق الطفل والأهم حقهم في التعليم والعيش الكريم فماذا عن التشريع السوري لهذه الظاهرة المحامية بنان إبراهيم قالت: أن المقصود بكلمة طفل هو كل إنسان لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره وقد خصص قانون العمل تشغيل الأطفال بأحكام خاصة بنيت على أساس حماية الطفل صحيا وتربويا وإبعاده عن جو العمل المرهق ومخاطره في السن التي يكون فيها الطفل محتاجا إلى التربية والتعليم أكثر من حاجته إلى السعي لجني المال وبناء عليه: فقد منع المشرع السوري تشغيل الأطفال الذين هم دون سن الـ ...منعا باتا وشدد على منعهم من الدخول إلى أماكن العمل وهذا ما نصت عليه المادة (124) من قانون العمل وحتى عند بلوغ الطفل سن الخامسة عشرة فهذا لا يعني توجه إلى ساحة العمل دون رقيب.
أردفت لتقول إبراهيم كما وقد حددت وزارة العمل المهن حسب تصنيفها بالصعبة وعدم السماح بها للأطفال أقل من سبع عشرة سنة كالحدادة مثلا.
مخالفات أثرها ضعيف
كما ورد في القانون التقيد بما نصت عليه المادة (125) من قانون العمل وبموجبها تحدد أوقات عمل الأطفال فلا يجوز تشغيل الطفل ليلا من الساعة السابعة إلى الساعة السادسة صباحا كما لا يجوز تشغيله فعليا لمدة تزيد عن ست ساعات ويمنع إبقاؤه في مقر العمل لأكثر من سبع ساعات متصلة كما يجب منح الطفل مدة ساعة من الزمن كفترة للراحة وتناول الطعام وإذا كان عمرالطفل أقل من خمسة عشر عاما فلا يجوز تشغيله في المهن التي حددها وزير العمل إلا بحصوله على تذكرة عمل تثبت مقدراته الصحية على العمل بهكذا مهن..وإننا بالنظر إلى هذه المواد القانونية نجدها تنصب في صالح الأطفال وتضمن حقوقهم لكن بالنظر إلى العقوبات المفروضة على من يخالفها يصبح أثرها ضعيفا وفعاليتها تتراجع بشكل كبير.
ومن الجدير بالذكر أيضا أن هناك كوادر تفتيش تابعه لمديريات الشؤون الاجتماعية والعمل في مختلف المحافظات لضبط ومراقبة عمالة الأطفال وتطبيق أحكام قانون العمل وإن أي ضبط بحق رب العمل أو ولي أمر الطفل إذا كان في سن التعليم الأساسي يحول إلى النيابة العامة ومن ثم إلى المحكمة المختصة فقد نظم في سوريةعام 2007(500) ضبط عمالة أطفال وفي عام 2008 تم تنظيم 400 ضبط
شره على المجتمع كله
وبعد كل هذا إن ظاهرة عمالة الأطفال لم تظهر من العدم بل خلقتها الحالة الاقتصادية السائدة في العالم كله ونمتها يدا الفقر والعوز التي دفعتا الأسر الصغيرة إلى رمي أطفالهم في ساحات العمل باكرا وما زاد فيها ضعف التدابير القانونية المتخذة من جهة وجشع أرباب العمل من جهة أخرى وما الطفل إلا غض طري ..يجب أن يحاط برعاية وحماية أسرته ومجتمعه فهو أمانة عند أبويه وأمانة عند مجتمعه كذلك.. وقلبه الطاهر جوهرة نقية إن عود على الخير نشأ عليه وإن عود على الشر نشأعليه وكان شره على المجتمع بأسره..