أما النساء الثلاث تحدثن بالنيابة عن الأخريات فأفضت كل منهن ما عندها لتجتمع عوالمهن عند ذاك المحبوب، حيث قدم العرض لمقولة مفادها (إن تلك البيئة تعيد إنتاج نفسها) فذاك الشاعر لم يكن راضياً عن أفعاله لكنه يقترفها دوماً وسيقترف أمثالها في المستقبل، فالبيئة التي صورها ومهد لها وعرضها ثم توسع في مفرداتها الاجتماعية من شأنها أن ترسخ بينات نفسية لشخصيات لابد لها في صياغة أفعالها وسلوكها شاعر يعيش الحب عبر تلك العلاقات بأشكال مختلفة بدءاً من الزوجة الارستقراطية (سوزي) إلى المرأة - العشيقة (ميمو) الآتية من وسط شعبي فقير جداً حيث ارتبط بها ليواسيها عن قسوة طليقها وعنفه معها وفي النهاية وفي لحظات فاصلة بين الحياة والموت يعيش الحب مع (غصون) الممرضة ليظهر أمامها أيضاً في قمة العطف والحنان ثم حمل لها بذور الوفاء حتى بعد هروبه من المشفى مع راقصة الباليه المريضة، وأطلق اسمها على ابنته من محبوبته الجديدة.
يتم العمل بنماذج نسائية عديدة كل منها تتمسك بموقفها وحبها لذاك الشاعر، حيث يتحول مع كل واحدة يعوضها عن النقص الذي تعيشه، وكل منهن تناديه باسم تراه هي فيه، من عبد الرزاق إلى عبود إلى رزوق، ليعلن في النهاية أنه ليس راضياً عن شيء إلا عن عدم رضاه عن نفسه فهو لو أتى في مكان آخر غير هذا المكان، مكان يمنحه حريته، لاختلفت حياته وأفعاله، فهو كتلك النساء يعيش التعاسة والخسارة وما وصل إليه ليس بيده.
ساعدت أحجار النرد التي حضرت كعنصر مسرحي فعال تتغير بين الأيادي وتشير إلى الصدف التي تتحكم بأقدار مستخدميها، فكانت مكاناً لجلوس المتحاورين وسريراً للمرض ثم منبراً لشعر (ميمو) المليء بالشتائم الموجهة لذاك الرجل، حيث انتزعت الممثلة (رولا ذبيان) الضحكات بمهاراتها الأدائية وتجسيدها لدور امرأة تعبر عما بداخلها وتنطق بحقائق ما تشعره وما تراه وكانت أكثر شخصيات العرض المانحة له اللمسة الكوميدية التي ظهر فيها.
تمكن (قلوب) بتفاصيله الاجتماعية ودراماه المرتكزة على الحب أن يصور بيئة اجتماعية تبخل على الإنسان بالكثير ليكون في المحصلة بلا إرادة وكائن تتقاذفه ظروف ومصائر، يتخبط ويعجز عن فعل ما يريد ثم يفعل ما لا يرضى عنه، قلوب: تأليف واخراج حكيم مرزوقي وتمثيل فرقة الرصيف المسرحية.