يقلِّب المواطن العربي اي واحدة من تلك الصحف الممتلئة إلى حد التخمة بالأخبار السياسية والفنية والأدبية والاجتماعية والزوايا والبحوث, نقد سياسي, نقد أدبي, نقد اجتماعي, نقد مسؤولين, قصائد وطنية, قصائد سياسية, قصائد وجدانية, مقالات مختلفة الأحجام والمقاسات والموضوعات, نقد أو مديح, هجوم أو مراعاة, فشة خلق أو حرّ بدن, تشويق أو ملل, تنوع أو رتابة, مقالات, مقالات, مقالات, ومع ذلك فالقارئ يعرف أن كل هذه المقالات مهما ارتفع أو انخفض خطها البياني فإنها مراقبة جيدا ومؤشر عليها بالموافقة, ولا تتزحزح قيد انملة عن الخط السائد للبلد الذي تصدر عنه هذه الصحيفة أو تلك خوفا من أن تفلت كلمة أو عبارة تمس أو تخدش واحدا من التابوات المعتمدة في كل هذه البلدان.
كتاب وصحفيون واسماء مكررة منهم النزق ومنهم الهادئ والساخر والجاد والمحلل والهجومي والمتلون والانتهازي والمضجر والمقاتل والموالي والمتزلف والمصفق والمتباكي والمداح, ومع ذلك فغالبا ما ينتهي القارئ من تصفح تلك الصحيفة ثم يركنها جانبا دون أن يعلِّم في رأسه أي أثر للمقروء, أما الكاتب فيذهب أول الشهر أو في آخره ليقبض مكافأة المقالات التي لم يقرأها أحد أو أصابت من قرأها بالضجر.
ترى هل سيأتي يوم على كليات الصحافة والإعلام تعتمد في مناهجها كوسيلة إيضاح, المقالة الموجزة التي لم تمر على أي دائرة مراقبة, والتي كتبها الصحفي العراقي منتظر الزيدي بحذائه على قامة الرئيس الأميركي جورج بوش, باعتبارها المقالة الصحفية الوحيدة التي قرأها العالم بأجمعه في وقت واحد أو خلال ساعات بتشويق ونهم شديدين, والتي لم يستثنى من قراءتها الأميون والمعلمون بما فيهم الذين لم يهتموا بأي صحيفة أو مقالة أو نشرة أخبار؟