تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تركيا والعرب... معادلة المصالح المشتركة و موازين النظام الدولي الجديد

شؤون سياسية
الأحد 23/9/2007
غالب حسن محمد

إن قراءة متأنية للتاريخ القديم والحديث تثبت لنا بأن النظام العالمي الجديد بزعامة الولايات الأميركية لن يسمح بإعادة إحياء حلف كاد يكون من أهم الأحلاف في منطقة الشرق الأوسط,

وهو (القاهرة- الرياض- دمشق- استانبول ) حيث إن هذ المحور يشكل خطراً لايمكن المجازفة بقبوله أميركياً.‏

من هنا نفهم لماذا تحاول الإدارة الأميركية باستمرار إضعاف الموقف السوري, تهميش دور سورية, خاصة بعد انطفاء شعلة التحدي التي أشعلها الكيان الصهيوني بوجوده في قلب الأمة العربية, وتحول بعض الدول العربية إلى حالة الاسترخاء, على قاعدة الاعتراف والصلح والتعايش مع هذا الكيان.‏

لقد استطاع النظام العالمي الجديد أن يحدث فجوة بين الأشقاء العرب على حساب إسقاط نظرية الأمن القومي العربي حيث من الملاحظ أنه كلما تحول الوضع العربي نحو الأسوأ, فإن النظام العالمي يتحول نحو الأشرس, خاصة بعدما أصبح النفط العربي يجري في شرايين الاقتصاد الأميركي, وأوروبا الغربية, وليس مجرد سلعة تجارية تهتم بها.‏

لقد رفعت الولايات المتحدة على امتداد القرن الماضي شعارات براقة حول مبادىء حقوق الإنسان وتقرير المصير إلا أن هذه الشعارات تحولت مع نهاية القرن العشرين إلى هراوة عسكرية جبارة تضرب بها رأس كل متمرد على مصالحها, فالخارج على القانون الدولي هوالخارج على تعليماتها حتى أصبحت ولأول مرة قيصر هذا الكون ودون منازع. في ضوء ذلك لايمكن النظر إلى مستقبل العلاقات التركية- العربية خارج إطار الأبعاد الدولية والإقليمية المستجدة, فالتحرك الإيجابي التركي باتجاه الشرق الأوسط, تتحكم به معادلات النظام العالمي الجديد, صحيح أن النظام الذي تقوده الولايات المتحدة لن يدوم إلى مالانهاية, إلا أن انهيار القطب الآخر من العالم (الاتحاد السوفييتي سابقاً) أطلق العنان للولايات المتحدة لتتصرف دون حسيب أو رقيب, حتى إن مجلس الأمن الدولي نفسه يكاد يتحول إلى أداة من أدوات سياساتها الخارجية.‏

وإذا أخذنا بالاعتبار الغياب العربي السياسي والإعلامي بشكل عام في تركيا, ومع استمرار البعثرة العربية ومع اصرار الإدارة الأميركية على تنفيذ مخططها في تفتيت ماتبقى من الدول العربية, مشكلات المنطقة فضلاً عن ادعاءات واشنطن بامتلاك بعض الدول أسلحة تدمير شامل أوأسلحة كيماوية ستظل كل تلك المشكلات والادعاءات أسلحة فتاكة بيد النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة, تستخدمها متى شاءت ضد الأنظمة المعارضة لسياساتها ومشاريعها ,وسط كل هذه الأخطار المحدقة تطل تركيا على العالم العربي كنموذج لعلاقات متكاملة حضارياً للتعامل معها, وذلك بقصد عدم إفراغ الساحة وتركها ملعباً رحباً للأميركيين والإسرائيليين.‏

ضمن هذا السياق نلاحظ بأن تركيا تطرح علناً توجهاً جديداً من جهة الانفتاح على دول الشرق الأوسط, خاصة الدول العربية منها, ومحاولة التوفيق بين الاستفادة من أسواق المنطقة الاقتصادية الضخمة, وبين تحالفها الاستراتيجي مع الغرب وصولاً إلى الانضمام والاندماج مع الاتحاد الأوروبي.‏

يعبر عن ذلك الكاتب التركي (محمد علي بيراند) بقوله: (ليس لتركيا في الظروف الحاضرة سوى خيار واحد, يتمثل في البدء بالانفتاح على منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا من دون قطع العلاقات مع الغرب, وخلاف ذلك, فإن الحديث عن إجراء لايتلاءم مع حقائق يطلق عليها: ميزان القوى وهو في أية حال لن يعطي النتائج المطلوبة).‏

الشيء الذي يتفق بشأنه المختصون بالشؤون التركية أن مستقبل العلاقات العربية التركية يتوقف على أمرين أساسيين:‏

الأول: هوالمتغيرات الدولية والإقليمية .‏

الثاني: هو سبل التعامل مع مشكلات المنطقة وخصوصاً في ضوء التوجه الأميركي الذي يحاول استغلال المياه من جهة اعتبارها أحد أهم أسباب النزاع والتفجير بين دول المنطقة.‏

يقول جون كيلي مراسل (A-B-C) الأميركية مايلي:‏

(إن الماء ليس ضرورياً للحياة, بل هو الحياة نفسها.. تبرز هذه الملاحظة أمراً أساسياً في سياسات الشرق الأوسط وهي أنه في الحقيقة بعد نضوب النفط, من المحتمل أن يسبب الماء الحرب, ويصنع ويهدم الامبراطوريات والتحالفات في المنطقة, وستبقى خطط التنمية تعتمد على المياه في الشرق الأوسط). لقد اتفق معظم المفكرين والمحللين السياسيين العرب والأتراك على أن القرن الحادي والعشرين سيدشن عصر العولمة الاقتصادية والثقافية في العالم, حيث (استقر في الأذهان أن تحولات الاقتصاد العالمي وسياقه التقني ولدت معطيات جديدة, حكمت على العالم بالتجانس والتوحيد من حيث الخيارات التنموية وارتباط المصالح والمصائر).‏

من خلال ذلك نرى بأن إقامة علاقات اقتصادية جيدة مع تركيا وتطويرها يمكن أن يؤدي إلى تنمية المنطقة, ومن هذا الباب الرئيسي, والمهم والذي يؤلف أحد أهم الأبواب (السياسية - والاقتصادية- والثقافية) والتي تؤدي بالضرورة إلى إقامة علاقات عربية تركية متطورة.‏

والشيء المهم الذي تتفق فيه كل النخب الفكرية والسياسية التركية المؤمنة بضرورة إيجاد علاقات تركية عربية عقلانية تستمد مشروعيتها من الماضي والحاضر والمستقبل, ويأتي في مقدمته قطاع الإعلام وهو قطاع مهم في تركيا على المستوى الجماهيري, لأن التواصل الإعلامي والحوار الجدي بين العرب والأتراك سيؤديان إلى تعاون مستقبلي ضمن ظروف المنطقة بالاستناد إلى العوامل الحضارية المشتركة. لقد كان الخوف من التمدد الصهيوني والمطامع الإسرائيلية في المنطقة بعد استيلائها على فلسطين العربية, يشكل أحد أوجه التلاقي في الأهداف بين القوميين العرب وخصوصاً (السوريين) وبين التيار الإسلامي التركي بمؤسساته السياسية والاقتصادية, والإعلامية بل حتى يمثل نقطة التلاقي مع القوميين في تركيا, فصحيفة القوميين الأتراك (أورتا دوغو) مافتئت تندد بالصهيونية وبأعمال إسرائيل العدوانية الطامعة في أراضي سورية والعراق ولبنان وأنها لاتترك أطماعها هذه لأنها تريد تحقيق إسرائيل الكبرى).‏

إن التنسيق مع أجهزة الإعلام التركية وخصوصاً الإسلامية منها والقومية والليبرالية مهمة عاجلة وضرورية, للتصدي للأخطبوط الإعلامي الصهيوني على الأراضي التركية.‏

وهذا ما يجمع عليه السياسيون والمثقفون الأكاديميون والإعلاميون الأتراك, حيث إن عملية التطوير في العلاقات التركية والعربية والتصدي للحملة الإعلامية والسياسية الضارية التي يشنها اللوبي الصهيوني ضد أي تقارب سوري تركي حقيقي, هي مهمة ضرورية تستوجب العمل على وجود برنامج استراتيجي سياسي وإعلامي عربي من داخل تركيا, يتولى ويوجه ويقود هذا البرنامج للتواصل مع الذين يرغبون في تحسين العلاقات التركية العربية والسورية خصوصاً حيث إن الرغبة السورية في توسيع وترسيخ علاقات جيدة واستراتيجية مع تركيا تدعمها بذلك العلاقات القيادية المتطورة والمتنامية بين قيادتي البلدين, ويجب العمل على دعم هذه الرغبة وتحصينها ضد كل الاهتزازات والتقلبات التي يمكن أن تعترضها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية