وهو ما يحصل في كل مرة يأتي فيها تشيني ليبث شرره في هذه المنطقة الجالسة دوماً على برميل من البارود, على السطح يبدو الصراع وكأنه صراع عبثي على السلطة بين قوى فلسطينية تتنافس للسيطرة على منطقة محاصرة أصلاً وشعب محروم من قوته اليومي ويرزح تحت نير الاحتلال. لكن في حقيقة الأمر, هذا الوضع هو منتج من صنع تشيني وأبرامز وحلفائهما من فاشيي (اسرائيل) مثل بنيامين نتنياهو.
لقد استخدم هؤلاء انتصار حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام ,2006 لزج الحركة في صراع مع حركة فتح, مع الانتباه إلى أن البعض سيعتبر هذا مجرد نظرية مؤامرة وأن حماس هي التي خلقت الأزمة برفضها الاعتراف (بإسرائيل) وعملية السلام.
يجب أن نتذكر ماذا فعل الأميركيون والإسرائيليون والاتحاد الأوروبي بالرئيس الراحل ياسر عرفات الذي قدم كل التنازلات الممكنة بلا طائل. لقد تمكنوا من استغلال عدم رغبة أجنحة معينة من حركة فتح في التنازل عن السلطة أو المشاركة فيها, لإشعال حرب أهلية مدمرة, وقد جرى تحريك خيوط العملية عبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و(إسرائيل) بالضغط تارة وبالترغيب والإغراء تارة أخرى بوعود السلام والأمن إذا تمكنت فتح والرئيس محمود عباس من تقويض أسس حركة حماس. إنهم يدركون جيداً استحالة هذا الهدف, لكنهم مضوا فيه بعيون مفتوحة.
في 17 أيار الماضي كتبنا في هذه المجلة أن أبرامز يعمل بشكل سري للترويج لسياسة هدفها إشعال صراع مسلح بين حماس وفتح, وأنه يدير صندوقاً سرياً تحت لافتة (دعم الديمقراطية) يتم من خلاله تزويد أجنحة فلسطينية معينة بالسلاح, لإشعال القتال بين فتح وحماس.
ومثل هذه التدخلات التي يديرها أبرامز كانت انكشفت مطلع هذا العام عندما أوشكت أن تندلع حرب أهلية في غزة, قبل توصل الأطراف إلى عقد اتفاق في مكة تشكلت بموجبه حكومة وحدة وطنية تضم وزراء من حماس وفتح ومستقلين. ولكن مشروع أبرامز كان يقضي بدفع هذه الحكومة إلى الانهيار وإجراء انتخابات مبكرة.
وفي حقيقة الأمر, كانت تلك الخطة مجرد وصفة لخلق حرب أهلية دموية, وكانت متناقضة مع كل معطيات الواقع المعترف بها, وضمن ذلك تقرير بيكر هاملتون الصادر في الشهر العاشر من العام الفائت والذي نص على أن أي دبلوماسية ناجحة في المنطقة تتطلب إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. لكن ومع اشتعال الحرب الأهلية في المناطق الفلسطينية المحتلة,سيتمكن الاسرائيليون من صد أي مبادرات سلام.
لقد أكد تقرير سري أصدره في أيار 2007 ألفارو دي سوتو المنسق الخاص للأمم المتحدة (المنتهية خدمته) لشؤون عملية السلام في (الشرق الأوسط) والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لدى السلطة الفلسطينية واللجنة الرباعية,بالوثائق عمليات التخريب التي قامت بها إدارة بوش- تشيني الأميركية.
يذكر دي سوتو في تقريره الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في 13حزيران الماضي أنه تقدم شخصياً بعد فوز حماس انتخابات العام الماضي باقتراح للرباعية الدولية لاعتماد طريقة جديدة مختلفة للتعامل مع الواقع الجديد الناجم عن فوز حماس في ضوء المعوقات التي تواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تعاملها مع حركة يصفونها بالإرهابية. ويطالب دي سوتو في هذا الاقتراح بفتح قناة للحوار مع حماس بهدف تشجيع عملية التطور التي بدأت تظهر في الحركة. كما اقترح أن تقوم الرباعية الدولية التي تتضمن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة بإعلان رفضها لمحاولات (إسرائيل) (خلق حقائق على الأرض) من شأنها أن تقف عائقاً في وجه تأسيس دولة فلسطينية.
لكن عوضاً عن ذلك, قبلت الرباعية الدولية بمشروع صريح تم تحضيره من قبل الولايات المتحدة يطالب بأن يكون التخلي عن العنف والاعتراف (بإسرائيل) والقبول بالاتفاقيات السابقة وفق خارطة الطريق شروطاً يجب قبولها وتنفيذها قبل تقديم أي مساعدة للحكومة الفلسطينية. ومنذ ذلك التاريخ إن لم يكن قبله, أصبحت الرباعية غير ذات معنى أو جدوى لمجمل العملية.
إن قرار الإذعان لهذا التصريح الذي كان في الحقيقة إعلان عقوبات اقتصادية, كان يستهدف استنزاف الفلسطينيين حتى الموت, بدليل أن (اسرائيل) أيضاً أوقفت دفع عائدات الضرائب للفلسطينيين اعتباراً من شباط 2006 ويمضي دي سوتو في شرح كيف أن حماس بالرغم من انفتاحها أمام فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية, إلا أن الولايات المتحدة أعلنت جهاراً أنها تريد أن تمضي حماس وحيدة لتشكل حكومة بمفردها.
(لقد تم إبلاغنا أن الولايات المتحدة تقف ضد أي محاولة لمسح الخط الفاصل بين حماس وتلك القوى الفلسطينية الملتزمة بحل الدولتين. بعد ذلك بقليل أعرب الرئيس الفلسطيني أبو مازن أن أعضاء فتح لن يشاركوا في أي حكومة تقودها حماس. وهكذا أصبحت حكومة حماس منبوذة ومستهدفة.
ويكتب دي سوتو في تقريره إنه حتى موعد اتفاقية مكة كانت الولايات المتحدة تروج بشكل واضح لمواجهة بين فتح وحماس. لدرجة أنه قبل أسبوع من توقيع اتفاقية مكة, أعلن المبعوث الأميركي مرتين في اجتماع للرباعية في واشنطن عن (سعادته بهذا العنف) في إشارة إلى الحالة القريبة من الحرب الأهلية التي اندلعت في غزة والتي كان المدنيون يقتلون ويصابون فيها بشكل منظم, لأنها تعني أن فلسطينيين آخرين يقاومون حماس بحسب المبعوث الأميركي. ومما تقدم يظهر بوضوح أن حرب الصراع الدموي بين حماس وفتح تم تحريكه من خارج المنطقة, مع ترك اللاعبين المحليين يؤدون أدوارهم التراجيدية.