|
كلنا نحب فيروز.. ولكن؟! ثقافة مثل: ماروشكا والقمر الوردي (لونا روسا) وبكى هواه (جوني جيتار) وخلال سفريات اغترابي عن سورية بين 1965و 1990 كنت أحمل دوماً إلى جانب جواز سفري وصور العائلة والأولاد أسطواناتي ثم أشرطة وسيديهات أغاني فيروز لتكون رفيقاً لي في الغربة. ولكن هذا شيء وإجبارنا على الاستماع إلى أغاني فيروز عشر ساعات في اليوم الواحد هو شيء آخر. أشرح هذا الأمر فأقول: إنني مصاب بنوع من الأرق الذي يجعلني لا أنام أكثر من ثلاث ساعات في الليلة الواحدة ولهذا يكون رفيقي الدائم بين منتصف الليل والتاسعة أو العاشرة صباحاً هو المذياع وخاصة محطات الموجة القصيرة (إف. إم) حيث أصبحت لدينا -بحمد الله- خمس محطات (إف. إم) وأغلبها إذاعات خاصة وهي تتسابق في بث أغاني فيروز كل ليلة منذ منتصف الليل وحتى ضحى اليوم التالي. إن طول الأغنية المتوسط من أغاني فيروز هو أربع دقائق ومدة البث التي أتحدث عنها هي في حدود أربعمئة دقيقة ومعنى هذا أن على كل محطة إف. إم أن تذيع مئة أغنية لفيروز في كل ليلة. وإذا ضربنا هذا الرقم بخمس (5 محطات إف. إم) يتبين لنا أن المستمع السوري عليه أن يشنّف أذنيه بحوالي خمسمئة أغنية فيروزية كل ليلة، وقد يمل هذا المستمع من أغنية ما فينقل المؤشر إلى محطة أخرى فيفاجأ بالصوت نفسه إذا لم تكن الأغنية نفسها. إن التكرار هو عدو الذائقة الفنية ويؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى افسادها لأنه سبيل غير محمود إلى «التأطير» ثم إلى «التنميط». وبكلمة أخرى فإنه ليس من ضير علينا كمستمعين أن نحب فيروز وصوت فيروز ولكن... هناك ضير بل ضرر في ألا نحب إلا فيروز أو من يقلدها وهذا الضرر يمس بفيروز نفسها قبل أن يطول غيرها وجمهورها. هناك أصوات أخرى في العالم العربي تستحق أن نسمعها وإذا كان أصحاب محطات البث يصرون على أن يكون الصوت «ناعماً» أثناء فترة البث الليلية فإن نجاة الصغيرة وماجدة الرومي وكارول سماحة وماري سليمان ونوال الزغبي وميادة الحناوي وشهد برمدا، وأصالة ورجاء بلمليح ووردة الجزائرية وصوفيا صادق وأنغام وأحلام ومايا نصري يمكنهن أن يملأن الفراغ بين وقت وآخر. ثم هل من الضروري أن يقضي الإنسان ليلته بطولها في الاستماع إلى الطرب؟ ألا يمكن مثلاً أن يستمع إلى مقابلة مع شخصية أدبية أو فنية محببة أو إلى تعريف بأحد البلدان البعيدة أو إلى طرائف من حياة الشعود أو إلى صفحات من الماضي..الخ؟ وهناك أمر يجب ألا ننساه في هذا المجال وهو واجب في تطوير الذائقة الفنية أو الموسيقية على الأقل وبالاستماع إلى مقطوعات الموسيقا الغربية الكلاسيكية لعباقرة هذا الفن من أمثال بيتهوفن وتشايكوفسكي وكورساكوف ورخمانينوف وشوبان وليست وهاندل وشتراوس وباخ ورافيل وده فايا. ولا مانع من تطعيم ذلك بسماع مقطوعات لسيد درويش وأبو بكر خيرت وعمر خيرت ومدحت عاصم ومحمد عبد الوهاب..الخ. وأعود هنا إلى القول إني لست من أعداء فيروز ولا صوت فيروز ولكنني من أنصار التنوع في السماع لإغناء الذائقة الفنية والموسيقية لدى المستمعين وإذا كان أصحاب محطات البث يصرون على إسماعنا صوت فيروز كل ليلة فليس من الضروري اسماعنا شريطاً من مئة أغنية لها دفعة واحدة وإنما يمكنهم التنويع في ذلك، كأن تخصص سهرة ما لإذاعة أغانيها الأولى ذات الأصل الأجنبي التي غنتها بين 1951 و 1955 (ولا مانع من إذاعة الأغنية الأصل باللغة الأجنبية إلى جانب العربية) وأن تخصص السهرة التالية لإذاعة أغانيها العاطفية والسهرة الثالثة للأغاني اللبنانية والرابعة للأغاني الوطنية والخامسة للأغاني القومية والسادسة لأغاني مسرحياتها والسابعة للأغاني الحديثة التي لحنها لها ابنها زياد والأفضل في مثل هذه الحالة الاستعانة بفريق عمل لتحضير هذه الأغاني وكتابة التعليقات الملائمة عنها مع مذيع ذي خبرة لتقديمها. قد يقول أحدهم: إن هذا سيكلف المحطات جهداً ومالاً إضافيين وأرد على ذلك بقولي: لم تعد توجد أي محطة إذاعة في العالم حتى محطات الإف. إم. تذيع أغاني متواصلة لمدة ثماني ساعات يومياً ولا يقطعها إلا صوت المذيع معلناً بين وقت وآخر اسم المحطة. والغريب في هذا أن هذه الأغاني جميعاً بصوت مطربة واحدة ولو كانت هذه المطربة السيدة فيروز.
|