|
عطش في جرود بانياس ...كالبيد في الصحراء يقتلها الظما... والماء فوق ظهورها محمول...عشرون عاما على وضع حجر الأساس لمشروع الإرواء!! تحقيقات ويومياً نعكس هذه الاتصالات باتجاه المعنيين في مؤسسة المياه, والمحافظة, سواء عبر الهاتف الثابت, أو الخليوي, أو عبر الفاكس, أو عبر الكتابة الصحفية. هذا الواقع أعيشه منذ ربع قرن, أي منذ بداية عملي الصحفي, وخلال هذا الزمن الطويل تعاملنا مع عدة وزراء للإسكان والمرافق, والإدارة المحلية, ومع عدة محافظين لطرطوس, وثلاثة مديرين عامين لمؤسسة المياه, ومع ذلك استمر العطش, واستمرت معاناة السكان في تلك القرى لا بل ازدادت حدة, وازدادت معها كتاباتي الصحفية المطالبة بتنفيذ مشروع جر المياه من نبع السن إلى قرى جرد العنازة والقدموس ولاسيما أن حجر الأساس لهذا المشروع وضع باحتفال رسمي كبير عام .1988 طبعاً خلال السنوات الماضية قام بعض المسؤولين بزيارات ميدانية لعدد من تلك القرى, وشاهدوا أمام أعينهم كيف يعيش سكانها? وكيف يعانون لتأمين نقطة الماء صيفاً رغم غزارة الهطول المطري شتاء, ووعدوا خيراً بعد أن تأثروا بما سمعوا, ورأوا, ولمسوا, وأتذكر من هؤلاء المسؤولين الذين يذكرهم الناس هناك بالخير حتى الآن (وزير الإدارة المحلية الأسبق أحمد دياب - محافظ طرطوس الأسبق وليد حمامية).. ورغم الجهود التي بذلها هؤلاء بقي الواقع على ما هو وإن كانت الدولة باشرت فعلاً في السنوات القليلة الماضية بتنفيذ قسم من مشروع إرواء القرى المذكورة!! نهاية الأسبوع الماضي لم يكتف السكان بالاتصال الهاتفي بنا فقد حضر عدد منهم ضمن وفد شعبي إلى مكتب الصحيفة بمدينة طرطوس حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر, وتحدثوا لنا بغضب ممزوج بالألم, وبمرارة انتظار تنفيذ الوعود, وأكدوا أنهم وكافة سكان القرى العطشى البالغ عددها 45 قرية يعيشون وضعاً سيئاً جداً, لا يستطيع أن يتحمله أحد, وتمنوا علينا زيارتهم بشكل ميداني والاطلاع على واقعهم, ونقل هذا الواقع إلى المسؤولين المحليين والمركزيين عبر الصحيفة أو بشكل شخصي.. وفعلاً بعد يومين من زيارتهم وتحديداً يوم السبت الماضي قمنا بالزيارة ليس بهدف الكتابة الصحفية وحسب, إنما لإعداد حلقة تلفزيونية من البرنامج الذي أعده في القناة الأولى (حروف ونقاط) عن تلك المنطقة, وبعد أن أمضينا وقتاً طويلاً هناك زرنا خلاله بلدة الطواحين, وعدة قرى تابعة لها, والتقينا العديد من المواطنين, والمواطنات, وسائقي صهاريج المياه التي تنقل المياه ليلاً نهاراً من مناطق بعيدة للقرى وبأسعار تفوق كثيراً إمكانيات الناس, بعد كل ذلك خرجنا بالنتائج التالية: وقائع ونتائج - اهتمام الجهات المعنية بتلك القرى لا يرقى أبداً إلى مستوى حاجة سكانها الماسة لمياه الشرب. - الكثير من الناس هناك هجروا قراهم واتجهوا إلى المدن هرباً من الواقع السيئ, وبحثاً عن لقمة العيش, لكن نسبة كبيرة من السكان باقية وهي متشبثة بأرضها والعيش في قراها رغم ما تعانيه. - لجأ العديد من السكان إلى زراعة البيوت البلاستيكية لتأمين مورد رزق لهم لكن بسبب الصعوبة الكبيرة في تأمين المياه من مصادر قريبة. وبسبب ارتفاع التكاليف بدأ البعض منهم يتراجع عن هذه الزراعة وبنفس الوقت بدأ يبحث عن مصدر دخل للتخفيف من حدة البطالة التي يعيشونها في تلك القرى. - محور أحاديث الناس في تلك القرى سواء فيما بينهم أو في الاجتماعات الحزبية والشعبية أو مع زوارهم وأصدقائهم, أو مع المسؤولين في مكاتبهم عندما يقصدونهم شاكين, هي المياه, ثم المياه.. ثم المياه!! - خصصت المحافظة مبلغاً مالياً في موازنة هذا العام يبلغ نحو 10 ملايين ليرة لإرواء القرى العطشى من خلال نقل المياه بالصهاريج لكن كل من التقيناهم أكدوا لنا وجود خلل كبير في التنفيذ ومزاجية في التوزيع.. إضافة لغياب آلية عمل دقيقة وواضحة ومعلنة وبالتالي هناك إحساس عند الجميع مفاده أن هذا المبلغ لا ينفق بالطريق الصحيح. - الشبكة التي تم تمديدها منذ أشهر لبعض القرى (بيت المسيرة- ضهر العامودة- الحاطرية- حدادة- رام ترزة) من أجل تزويدها بالمياه من بانياس.. لم تستثمر حتى الآن باستثناء قرية الحاطرية ويؤكد الكثير من المواطنين أن التنفيذ كان سيئاً جداً ويبدون خشيتهم من عدم إمكانية استثمارها بواقعها الحالي.. ويطالبون بمحاسبة المنفذين والمشرفين!! - منذ نحو (3) سنوات تم فتح بئر من قرية جديدة الوادي في ريف العنازة وبلغت غزارته 25 م3/سا بهدف إرواء قرى (جديدة الجرد- وادي الخربة- خربة السنديانة- مصيّات- الشندخة- نحل الجرد- وادي الفار- بيت جاش- بلوسين- دير الجرد) لكن رغم الحاجة الماسة لاستثمار هذا البئر فإنه لم يوضع بالاستثمار لتاريخه حيث لم تنفذ الشبكات في القرى المذكورة وما زال المواطنون يسمعون الوعود تلو الوعود.. ويعانون الكثير الكثير لتأمين المياه! - تم وضع حجر الأساس لمشروع إرواء قرى العنازة والقدموس عام 1988 أي منذ نحو عشرين عاماً ورغم هذا الزمن الطويل ما زالت نسبة كبيرة من القرى الواردة ضمن المشروع بدون مياه وبدون شبكات وبدون..!! - قبل عام 2003 كان المشروع مركزياً ثابتاً لوزارة الإسكان وبعد عام 2003 تم نقله بقرار من رئيس مجلس الوزراء السابق إلى مؤسسة مياه طرطوس وعندها بدأ العمل يتحرك أفضل من السابق حيث تم إرواء (24) قرية ممتدة من بانياس إلى القدموس.. لكن سكان القرى العطشى بعد القدموس والعنازة يعتبرون أن الأولوية في الإرواء كان يجب أن تكون لهم لأن المشروع وضع بالأساس من أجلهم! مع الوزير والمحافظ بعد الجولة مباشرة وضعنا السيد محافظ طرطوس الدكتور وهيب زين الدين بصورة الواقع كما شاهدناه ولمسناه.. وقد أبدى اهتماماً كبيراً واتصل بمدير عام مؤسسة المياه ووجهه بالمتابعة والقيام بجولات ميدانية ومعالجة الخلل الموجود سواء في مجال خطة إرواء القرى العطشى أو في المناهل أو في الشبكات.. كما وعدنا بمتابعة الأمر أولاً بأول مع بقية الجهات ذات العلاقة. ويوم الاثنين الماضي التقينا السيد وزير الإسكان والتعمير المهندس حمود الحسين وشرحنا له معاناة الناس في تلك القرى ورجوناه معالجة وضع بئر حيالين والسماح للمواطنين بالاستجرار منه لأنهم يعتبرونه المنقذ لهم ريثما ينجز مشروع إرواء قراهم.. كما رجوناه التوجيه بمعالجة واقع المنطقة بشكل جذري والقضاء على أزمة العطش, وقد أبدى بدوره اهتماماً كبيراً واتصل بمدير عام مؤسسة المياه وطلب إليه استئجار العدد الكافي من الصهاريج لإرواء تلك القرى حتى لو وصل العدد لأكثر من ثلاثين صهريجاً, كما وجهه بالتنسيق مع مؤسسة مياه حماة من أجل مصادر المياه, وبالمتابعة الحثيثة لتأمين مياه الشرب للمواطنين, أما بالنسبة لمياه السقاية فلا علاقة للوزارة بها, ووجهه أيضاً بالإعلان عن تنفيذ مشروع خط الجر الثاني للقدموس. تحسن طفيف وقبل أن ندفع بهذه المادة والتحقيق المجاور للنشر اتصلنا بعدد من سكان القرى فأكدوا لنا أن توفر المياه بالمناهل تحسن بنسبة 25- 30%.. وإن المياه بدأت تصل إلى الشبكات في بعض القرى والحارات المنخفضة وبنسب قليلة لكن (الكحل أفضل من العمى).. ومع ذلك الواقع ما زال سيئاً بشكل عام.. ويحتاج للمزيد من الاهتمام والمتابعة.. واتصلنا أيضاً بمدير عام مؤسسة المياه فأكد أن وتيرة العمل والمتابعة تزداد يوماً بعد آخر.. وإن السكان سيلاحظون ذلك.. أما بالنسبة للحل الاستراتيجي المتمثل بتمديد الشبكات وتنفيذ خط جر ثان من السن.. وتنفيذ مشروع جديدة الوادي فتسير وفق الخطة الخمسية العاشرة حيث من المقرر إنجاز كامل مكونات مشروع إرواء تلك القرى قبل نهاية .2010 ختاماً نحن والسكان القاطنون في قرى ريف القدموس وبانياس نستصرخ ضمائر كل أصحاب القرار في السلطات المحلية والمركزية.. راجين منهم المزيد من الاهتمام والمتابعة ومعالجة الواقع.. فلا يجوز أن تستمر معاناة الناس هناك بسبب العطش وغيره ولاسيما أننا في القرن الحادي والعشرين.
|