بأن القضاء الأميركي نزيه وإن الإدارة الأميركية ليست موافقة على جرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان, لكن سير المحاكمات والأحكام التي صدرت حتى الآن والتي أقل مايقال عنها إنها هزيلة وتدعو للسخرية والاستهزاء تؤكد جميعها أن ما يتم في أروقة المحاكم الأميركية حيال هذه القضايا مجرد ذر للرماد في العيون.
وآخر ما أتحفتنا به الإدارة الأميركية في هذا الإطار محاكمة الكولونيل ستيفن جوردان الضابط الملاحق في قضية فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب في العراق أمام محكمة عسكرية في قاعدة ( فورت ميد ) بولاية ميريلاند.
فعلى الرغم من أن الكولونيل المذكور ارتكب جرائم قذرة بحق المساجين العراقيين في السجن المذكور سيئ الصيت وهناك عشرات ومئات الصور والوثائق الثابتة والمتحركة التي تؤكد قيامه وعشرات آخرين من زملائه الضباط والجنود وحتى المجندات بإذلالهم وتعذيبهم وتعريضهم لأبشع أنواع المعاملات اللاأخلاقية ومقتل العشرات من المعتقلين على أيديهم, إلا أن سير المحاكمة حتى الآن يؤكد أن القائمين عليها لايريدون حقيقة القصاص العادل من المجرمين بل إجراء محاكمات شكلية للادعاء بأنهم حريصون على تطبيق العدالة. والدليل الأكبر على ذلك أن المحكمة أسقطت حوالي نصف التهم الموجهة إلى جوردان حتى الآن.
المفارقة المثيرة للسخرية أن جوردان شهد أمام المحكمة ومثله زملاؤه الضباط بأنهم لم يشهدوا تعذيباً ولم يروا معتقلين عراة, ولم يهددوا أحداً بالكلاب الهجومية, وسارعت المحكمة مبدئياً بإسقاط نصف التهم عنه مثلما فعلت نفس المحكمة وغيرها من المحاكم الأميركية بمحاكمة أحد عشر جندياً متهمين بنفس الجرائم في سجن أبو غريب والتي لم تصل عقوباتهم إلى الحد الذي يتساوى مع جرائمهم النكراء. فالبعض صدرت بحقه عقوبات تتراوح بين القيام بأعمال عامة لمدة ساعات فقط والبعض لشهور أو سنوات معدودات وكأن الذين ارتكبوا تلك الجرائم المروعة والمثبتة بالصور لم يكونوا من الجنود الأميركيين.
إن محاكمات المتهمين بجرائم سجن أبو غريب يحاكمون اليوم مثلهم مثل من ارتكب الجرائم القذرة في ( حديثة العراقية ) بدم بارد ومثلها مثل مئات بل آلاف الجرائم التي نفذها الاحتلال ويحاول اليوم طمس معالمها ومحاكمة من قام بها محاكمات شكلية يصدرون فيها أحكاماً ( إدارية ) كما يسمونها مثل تخفيض الرتب مثلما حصل ل ( جانيس كابينسكي ) وغيره.
إن هذه المحاكمات الشكلية تستدعي من منظمات حقوق الإنسان في العالم التحرك لمحاكمة مجرمي الحرب في العراق وفي مقدمتهم رامسفيلد وغيره من المحافظين الجدد الذين دمروا العراق وشردوا أهله ولم تكن هذه المنظمات بحاجة إلى عناء كبير لجمع الأدلة وتوجيه التهم فما أكثرها وما أكثر الصور الدامغة التي تدل عليها وتفضح أصحابها.