فقبل عام من الآن كان عدد العراقيين الأثرياء الذين غادروا العراق الى الدولتين الجارتين الأردن وسورية نسبياً صغيراً,ولم يكونوا يتجاوزون بضع عشرات الآلاف .
هذه الهجرة تحولت الى نزوح جماعي حقيقي للمهنيين التكنو قراط الذين كانوا مع ثرواتهم يشكلون العمود الفقري للدولة العراقية.
هذا العدد الذي يبلغ اليوم أكثر من مليوني مواطن يشكلون 10% من مجموع تعداد السكان الذي يضيف في خانة الانتقالات الكبرى للسكان في افريقيا والهند.
موجة اللاجئين هذه بدأت مع مغادرة العراقيين من البلاد وهناك خطر اليوم في أن يتطور الأمر الى وضع مماثل للفلسطينيين الذين يعيشون اليوم في غزة والضفة الغربية.
ففي البداية يتم استقبالهم بصورة حسنة في الدول التي قصدوها إلا أن الأمر تحول الى عبء أثقلوا فيه كاهل البنية الاجتماعية الحكومية حيث ساهموا في ارتفاع معدل التضخم وزيادة أسعار الأملاك غير المنقولة.
إلا أن الأسوأ في الأمر هو أن هؤلاء أنفسهم ولا أي شخص آخر لديه أدنى فكرة إن كانوا سيعودون يوماً الى وطنهم.
هذا النزوح له نتائج أكبر بالنسبة للعراق,وهناك خطورة في أن يتحول بقدر كبير الى قطاع غزة من وجهة نظر المستوى المعيشي. فاللاجئون العراقيون يغادرون بلداً مجزأ حارمين إياه من الأفراد المثقفين الذين كانوا يشكلون الطبقة الوسطى التي تكونت في عهد صدام حسين.
فالعراق كان يملك مشافي ذات سمعة عالمية,وجامعات,ومخابر علمية وحتى حالات عرض لوحات فنية وكان مهندسو الطيران في البلاد يملكون شهادة من شركة بوينغ تثبت أنهم أهم مهندسي الطيران المختصين.
ويشكل هؤلاء المهنيون اليوم هدفاً للمتمردين والخاطفين,دافعين إياهم أكثر فأكثر الى مغادرة بلادهم وقبل الحرب كانت السجلات تدل على وجود 30,000 طبيب,بينما لا يتجاوز عددهم اليوم 8,000 طبيب.
(فالأطباء يشكلون الهدف الأول) يوضح ذلك نافع عبد الهادي,طبيب عراقي مقيم في الأردن ويعمل في مشفى حكومي قائلاً (سيتطلب الأمر مضي عشر سنوات على الأقل لعودة عمل المنظومة الصحية للعراق) فيما يمكن الحديث ذاته عن جامعات البلاد,فالعديد من البرامج التعليمية لم تعد تعمل الآن فيما يتم اعطاء الدروس من قبل مساعدي أساتذة الجامعات.
(بقي في العراق فقط لصوص ومجانين) تقول بوضوح هند العزامي,عراقية أقامت في الأردن قبل نحو عام وهي الآن مالكة مخزن للثياب في عمان (سيتطلب الأمر مرور جيل كامل حتى يتم التعويض عن الخسائر التي لحقت بالبلاد)
هذا الأمر تدركه الحكومة العراقية جيداً وتعمل ما بوسعها للحد من مغادرة العراقيين فبغداد قامت بوضع قيود على اصدار جوازات السفر وتقوم بالضغط على الأردن لإعادة العديد من اللاجئين للبلاد.
ومن الصعوبة بمكان تقدير العدد الدقيق للاجئين الذي يتراوح بين مليونين توجهوا الى سورية والأردن وحتى ضعف هذا العدد.
والقلة هم أولئك الذين بمقدورهم امتلاك حسابات مصرفية قدرها 100,000 دولار في الأردن الأمر الذي يعتبر شرطاً للحصول على حق الاقامة في البلاد وهكذا يعبر العديد من اللاجئين بصورة غير شرعية البلاد بينما يتوجه العديد الى لبنان ومصر.
وفيما يخص العراق,يمكن أن يتكشف هذا النزوح الجماعي عن أكبر خطأ,فمغادرة كل هذا العدد من المهنيين التكنو قراط والعمالة الماهرة دمر في الواقع بنية القوة العاملة البشرية,باكمالها الدمار الطبيعي الذي تتسبب به الحرب.
والأسوأ أن لا شيء يدل على عودة هؤلاء الأشخاص مادام العديد من هؤلاء يبنون بصورة مسبقة حياتهم الجديدة في دول الجوار.