تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كيف ذهبت إليّ

الرسم بالكلمات
الأثنين 15-12-2008
د. بشار خليف

لم يكن عليكِ أن تُدركيني , و أنا أُعدُّ كأس موتي الأخير , لكنك أدركتِني .. أخذتِ اليد التي ارتفعتْ نحو فمي , فمي الذي لم ينطق اعترافه بعد , أنك كنتِ القوس الضارب إلى الخضرة ,

المائل مثل شمس لم تهو عليَّ بعد .‏

أغويتِ رياحي بالهبوب ..‏

ناوأْتكِ : أنا رجل من شيطان , أصنع وحدتي من أشلاء الملائكة . ابتسمتِ , تعلمين أنكِ لستِ ملاكاً يبسط جناحيه على مهدي .‏

و أضحك لأن الحزن يأخذني إليكِ و لا يُعيدني , أنا الذي لم أَعُدْ يوماً إلى ما ذهبتُ إليه .‏

ترى ! كيف ذهبتِ إليّ ؟‏

ما الذي يُغريكِ بالخريف إن لم يكن تساقط السؤال عن أجوبة الشجر ؟.‏

أعلم أنكِ من عين البحر جئتِ , لا أزرق فيكِ سوى الدمع .. دمعي .‏

قلتُ : لا يأخذ الحب شيئاً إلى مثواه الأخير .. لماذا أخذتِني ؟.‏

كي تحلمي بالمنارة ؟‏

تذكّري .. البحار الفاشلة وحدها من تعجّ بالمنارات المضيئة .‏

و صرتِ الموج , صخبتِ , تلاطمتِ , تواطأتِ عليّ كي تستريحي , أنا الذي لم أُعِدَّ شواطئي للأمواج المالحة ...‏

بحرٌ ميتٌ , شربتُ ما يكفي من الرمل حتى تملّكني اليباس ..‏

تُرى , كيف أغويتِني بالهبوب ؟.‏

ترى كيف ذهبتِ إليّ ؟.‏

همستِ : موجٌ لا يبللني ، صدىً لمحْلٍ آخر ..‏

احتميتُ بما أخفيتِ عني لئلا تريني عابقاً بكِ ، طائفاً حول مزاراتك، أنثرُ البخور و لا أُشعلهُ ..‏

أخضوضرُ , أهمس في ريحكِ .. تصيّديني , برهاني أنتِ .. و غبطةٌ أنكِ لم تطوفي لأنك استدارتي ..‏

ها أنتِ تتراكمين عليّ , أصير أول شغف مأهول منذ عصر ما قبلك ..‏

نطوفُ , كعباً بكعب , رأساً برأس , أتذكرين ؟ كنا طوافنا حين أخذ مداكِ شكل القمر آن يصير بدراً , و للبدرِ حكاية أن تكوني بحراً يأخذ ما بَعُدَ منكِ إلى شاطئي .‏

قلتُ : لكِ.. ما يأخذني إليكِ .‏

قلتِ : مثلكَ لا يمتْ كمثواه الأخير ..‏

حينها تذكّرتُ أن لوجهكِ وجهاً يأخذ عيني إلى بصيرتها , و بكيتِ عندما كلّ شيء لديّ كان يرسم كل شيء , كل شيء.. لديكِ ،‏

أنتِ الواغلة في الشهوة تحت عباءة الروح الفَرِحَةُ بما يُشتهي من خفاياكِ .‏

و كنتِ اشتهائي الأنقى إلى روح لم يُضرب لها موعد مع الجسد بعد .‏

و جاء المساء , لم يكن القمر حزيناً لكنكِ تكمّشتِ بي خشية أن يحزن .. آهٍ ما أصعبكِ حين تتنبأين لهذا الكون بما لا يراه حتى !.‏

وطأتِ مائي بعشب قدميك , مهرتِني بختم خطوتك الأولى , أصبحتِ طريقي, طريقتي .‏

طريقي الذي لم يدرْ حول نفسه يوماً , طريقتي التي .. أنتِ .‏

و لم أدرِ كيف تصوغين خطاكِ إليّ ..‏

حتى ذهبتِ إليّ .‏

سددتُكِ بما يغلق فوهة هذا الكون بوردة ..‏

شممتكِ كي لا يُضيّع البخور روائحي إليكِ ..‏

و مسحتكِ بزيتي حتى تؤبين بمعجزاتك إليّ .‏

اسمعي ,‏

يوم صار البدء بدءاً ، لم يكن الذهاب أنثى و لا ذكر , لكنكِ هناك كنتِ تحوكين رداءً لمآلاتكِ الخمسة ..‏

مآلات أحرفك المستعارة من غبطةٍ أن كانت .. كنتُ .‏

قلتُ : ما أينعكِ حين تُقصين ثماري عنكِ لئلا أنضج إلا في أتونكِ . و ما أشبهكِ بالحنين الذي لا يَحنُّ حتى على نفسه ..‏

تُرى , كيف يباغتنا السؤال و نحن في جواب ما سيأتي ؟.‏

ها هو الوقت يَعْبُر و لم أركِ , الوقت شخص عاقر بلا سطوح , بلا نوافذ , بلا منارات و بلا ستارة تفصل بيننا أيضاً .‏

هذا امتلائي أخيراً عند ربة ينبوعك , أُغمض عينيّ , يستلقي حزني مبللاً بكِ و يشدو الفرح لنا ما تبقّى من قمرٍ ، صار بدراً‏

و للبدر حكاية , فكلما أحببتِني أكثر , قسوتُ أكثر كي تَطْري أكثر .‏

أليست هذه حكاية أول صوانة طُرّقت على وقع الحب القديم ؟.‏

و تذكّري .. كنتُ أعبركِ لئلا أستضيء بكِ أكثر ..‏

طال احتمالكِ كما استطال احتمالي ، لكننا هكذا كالريح نَعْبُرُ حتى تصطدم غيومنا ليولد شيء لا يشبه المطر.‏

قلتِ : ضُمّني .. أنا فحواكَ فادخل ْ..‏

آن دخلتُ , كان كل شيء فيك يَدُلّني إليّ ..‏

كان في عينيكِ جموح لا يُدركه إلا حصاني ..‏

و ها أنا أطلع منكِ , مجللاً بكِ .. أدفن خيبتي تحت الظلال العابرة ..‏

طالع مثلما ذهبتِ إليّ .‏

قبل أمدٍ أو أمدين أو أكثر , خلتكِ مدينة جديدة .. خرجتْ الآه مني،‏

قلتُ : المدينة طقس اغتصاب جماعي لفطرة الأرض الأولى ..‏

الآن تعود الآه , حين أيقظتِ نعناعي البريّ تحت شرفة عينيكِ .. كي تريني ..‏

قلتِ : أنا آهكَ .. تمددْ .. افردْ جناحيك على مداي و ارقصْ‏

رقصتُ عندي , رقصتِ عندك , رقصتْ أعشاب البحر لنا دوائر ..‏

حان أوان الزبد .‏

اتسعتِ‏

اتسعتُ ..‏

دخلنا الحالَ ..‏

قلتُ : ما أوسع البحر حين لا نبحر فيه ..‏

قلتِ : لم تصرْ البحر بعد .. تمددْ .‏

صرتُ حجة البحار , أصوغ حلمي على وقع الموج العابر بين أصابع قدميكِ.. أرسم لكِ طريق الماء .‏

حالُكِ حالُ الرضا , و الماء غياب اليابسة ..‏

و اعتصمتُ بكِ , أجوب تخومكِ كي أرشدها إليّ ..‏

فلي منارةٌ واحدة و لكِ البحر ..‏

و لي بحرٌ واحد و لكِ تعدد الماء ..‏

و لي أنتِ ، الواحدة بي , و لكِ .. وحدي ..‏

أنتِ التي تتجمعين حولي أو تُعدّين أثواب الرحيل كي تذهبي إليّ .‏

أنتِ لستِ سرّاً كي يكون بيننا ..‏

أنتِ التي شئتِني أن أكون رسولكِ منذ وردة ما بعد الطوفان .‏

قلتِ : ها أنا أتوسطكِ , زماني أمامك , ولا خلْف لك ..‏

و بقيتِ حولكِ , و حولكِ كان حولي ..‏

خُضنا في متاهات الحال ..‏

حتى وصلتِ إليّ ..‏

أوغلتُ فيكِ..‏

قلتُ : خذيني إلى غيبكِ.. لعشتار نصف الحقيقة و أنتِ اكتمالها ..‏

لم تضحكي كثيراً , قال لسان حالكِ :‏

- هكذا أنتَ تَعْبرُ من نداء إلى نداء كأنك صوت أخير ..‏

و حبّكَ مثل موتك لن يأتكِ سوى مرة كل ألف عام .‏

و مضى ألف عام , ألفان , مال كل مالنا ، إلى جهاتنا المتقابلة ..‏

لكل جهة شمس , لكل شمس شروق , لكل شروق غروبه ..‏

قلتِ : سِقني إليك , لا أحد جدير بامتلاك كحلي سوى عينيك ..‏

ادنُ .. أنا سفر التعب فاتعبْ ..‏

لا تمنح الشمس عذراً للشروق و كنْ نقيض الصحو حتى أصحو لك ..‏

صمتُّ حتى تصرخي .. صرختُ حتى لا تصمتي ..‏

تمددتُ مثل شاطئكِ , تعريتُ في النور و الظلام .. في المد و الجزر ..‏

قلتُ :: لن ينظر البحر إليكِ إن لم تريني ..‏

قلتُ : لا تسألي البحر شيئاً.. فجوابه عندي‏

لكنكِ اوغلتِ بحراً و بحراً ، كي تصلي إليّ ..‏

ذات مهلٍ .. أمهَلكِ الغيم فصلاً حتى تمطري ..‏

كنتِ مبتلةً بي , لم تقوي على الغيم .. فاستقويت علي ّ ..‏

قلتِ : جِدني في محيطكَ و غُصْ في منبعي ..‏

أنا الآن متّحدٌ بي ، أتملّى ما خفي منكِ ، كي يظهر لي ..‏

قلتُ : لن أنزل عن صليبك ..‏

لن أجول في مدن الخشب ، باحثاً عن صليب غير قابل للاهتراء .‏

كان نبعكِ دامعاً , غَطَتْهُ كثبان الأسى , لم أنجُ من دمعهِ بعد .‏

ارتديتُ شغفكِ وارتديتِني‏

لبستِني من رأسي حتى نشوتي ..‏

صرتِ فيّ .. كيف عَلّمَتْني الحياة وجهك ؟‏

تتوسطيني كلما افترقتُ عنكِ‏

و أتوسطكِ تماماً لأحدّكِ من جهاتي الست ..‏

ماؤكِ وحدي .. صرتِ على وشكي ..‏

ترى ، كيف ذهبت إليّ .‏

تعليقات الزوار

منال |  chamel@ureach.com | 15/12/2008 13:20

جميل جدا

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية