|
كيف ذهبت إليّ الرسم بالكلمات المائل مثل شمس لم تهو عليَّ بعد . أغويتِ رياحي بالهبوب .. ناوأْتكِ : أنا رجل من شيطان , أصنع وحدتي من أشلاء الملائكة . ابتسمتِ , تعلمين أنكِ لستِ ملاكاً يبسط جناحيه على مهدي . و أضحك لأن الحزن يأخذني إليكِ و لا يُعيدني , أنا الذي لم أَعُدْ يوماً إلى ما ذهبتُ إليه . ترى ! كيف ذهبتِ إليّ ؟ ما الذي يُغريكِ بالخريف إن لم يكن تساقط السؤال عن أجوبة الشجر ؟. أعلم أنكِ من عين البحر جئتِ , لا أزرق فيكِ سوى الدمع .. دمعي . قلتُ : لا يأخذ الحب شيئاً إلى مثواه الأخير .. لماذا أخذتِني ؟. كي تحلمي بالمنارة ؟ تذكّري .. البحار الفاشلة وحدها من تعجّ بالمنارات المضيئة . و صرتِ الموج , صخبتِ , تلاطمتِ , تواطأتِ عليّ كي تستريحي , أنا الذي لم أُعِدَّ شواطئي للأمواج المالحة ... بحرٌ ميتٌ , شربتُ ما يكفي من الرمل حتى تملّكني اليباس .. تُرى , كيف أغويتِني بالهبوب ؟. ترى كيف ذهبتِ إليّ ؟. همستِ : موجٌ لا يبللني ، صدىً لمحْلٍ آخر .. احتميتُ بما أخفيتِ عني لئلا تريني عابقاً بكِ ، طائفاً حول مزاراتك، أنثرُ البخور و لا أُشعلهُ .. أخضوضرُ , أهمس في ريحكِ .. تصيّديني , برهاني أنتِ .. و غبطةٌ أنكِ لم تطوفي لأنك استدارتي .. ها أنتِ تتراكمين عليّ , أصير أول شغف مأهول منذ عصر ما قبلك .. نطوفُ , كعباً بكعب , رأساً برأس , أتذكرين ؟ كنا طوافنا حين أخذ مداكِ شكل القمر آن يصير بدراً , و للبدرِ حكاية أن تكوني بحراً يأخذ ما بَعُدَ منكِ إلى شاطئي . قلتُ : لكِ.. ما يأخذني إليكِ . قلتِ : مثلكَ لا يمتْ كمثواه الأخير .. حينها تذكّرتُ أن لوجهكِ وجهاً يأخذ عيني إلى بصيرتها , و بكيتِ عندما كلّ شيء لديّ كان يرسم كل شيء , كل شيء.. لديكِ ، أنتِ الواغلة في الشهوة تحت عباءة الروح الفَرِحَةُ بما يُشتهي من خفاياكِ . و كنتِ اشتهائي الأنقى إلى روح لم يُضرب لها موعد مع الجسد بعد . و جاء المساء , لم يكن القمر حزيناً لكنكِ تكمّشتِ بي خشية أن يحزن .. آهٍ ما أصعبكِ حين تتنبأين لهذا الكون بما لا يراه حتى !. وطأتِ مائي بعشب قدميك , مهرتِني بختم خطوتك الأولى , أصبحتِ طريقي, طريقتي . طريقي الذي لم يدرْ حول نفسه يوماً , طريقتي التي .. أنتِ . و لم أدرِ كيف تصوغين خطاكِ إليّ .. حتى ذهبتِ إليّ . سددتُكِ بما يغلق فوهة هذا الكون بوردة .. شممتكِ كي لا يُضيّع البخور روائحي إليكِ .. و مسحتكِ بزيتي حتى تؤبين بمعجزاتك إليّ . اسمعي , يوم صار البدء بدءاً ، لم يكن الذهاب أنثى و لا ذكر , لكنكِ هناك كنتِ تحوكين رداءً لمآلاتكِ الخمسة .. مآلات أحرفك المستعارة من غبطةٍ أن كانت .. كنتُ . قلتُ : ما أينعكِ حين تُقصين ثماري عنكِ لئلا أنضج إلا في أتونكِ . و ما أشبهكِ بالحنين الذي لا يَحنُّ حتى على نفسه .. تُرى , كيف يباغتنا السؤال و نحن في جواب ما سيأتي ؟. ها هو الوقت يَعْبُر و لم أركِ , الوقت شخص عاقر بلا سطوح , بلا نوافذ , بلا منارات و بلا ستارة تفصل بيننا أيضاً . هذا امتلائي أخيراً عند ربة ينبوعك , أُغمض عينيّ , يستلقي حزني مبللاً بكِ و يشدو الفرح لنا ما تبقّى من قمرٍ ، صار بدراً و للبدر حكاية , فكلما أحببتِني أكثر , قسوتُ أكثر كي تَطْري أكثر . أليست هذه حكاية أول صوانة طُرّقت على وقع الحب القديم ؟. و تذكّري .. كنتُ أعبركِ لئلا أستضيء بكِ أكثر .. طال احتمالكِ كما استطال احتمالي ، لكننا هكذا كالريح نَعْبُرُ حتى تصطدم غيومنا ليولد شيء لا يشبه المطر. قلتِ : ضُمّني .. أنا فحواكَ فادخل ْ.. آن دخلتُ , كان كل شيء فيك يَدُلّني إليّ .. كان في عينيكِ جموح لا يُدركه إلا حصاني .. و ها أنا أطلع منكِ , مجللاً بكِ .. أدفن خيبتي تحت الظلال العابرة .. طالع مثلما ذهبتِ إليّ . قبل أمدٍ أو أمدين أو أكثر , خلتكِ مدينة جديدة .. خرجتْ الآه مني، قلتُ : المدينة طقس اغتصاب جماعي لفطرة الأرض الأولى .. الآن تعود الآه , حين أيقظتِ نعناعي البريّ تحت شرفة عينيكِ .. كي تريني .. قلتِ : أنا آهكَ .. تمددْ .. افردْ جناحيك على مداي و ارقصْ رقصتُ عندي , رقصتِ عندك , رقصتْ أعشاب البحر لنا دوائر .. حان أوان الزبد . اتسعتِ اتسعتُ .. دخلنا الحالَ .. قلتُ : ما أوسع البحر حين لا نبحر فيه .. قلتِ : لم تصرْ البحر بعد .. تمددْ . صرتُ حجة البحار , أصوغ حلمي على وقع الموج العابر بين أصابع قدميكِ.. أرسم لكِ طريق الماء . حالُكِ حالُ الرضا , و الماء غياب اليابسة .. و اعتصمتُ بكِ , أجوب تخومكِ كي أرشدها إليّ .. فلي منارةٌ واحدة و لكِ البحر .. و لي بحرٌ واحد و لكِ تعدد الماء .. و لي أنتِ ، الواحدة بي , و لكِ .. وحدي .. أنتِ التي تتجمعين حولي أو تُعدّين أثواب الرحيل كي تذهبي إليّ . أنتِ لستِ سرّاً كي يكون بيننا .. أنتِ التي شئتِني أن أكون رسولكِ منذ وردة ما بعد الطوفان . قلتِ : ها أنا أتوسطكِ , زماني أمامك , ولا خلْف لك .. و بقيتِ حولكِ , و حولكِ كان حولي .. خُضنا في متاهات الحال .. حتى وصلتِ إليّ .. أوغلتُ فيكِ.. قلتُ : خذيني إلى غيبكِ.. لعشتار نصف الحقيقة و أنتِ اكتمالها .. لم تضحكي كثيراً , قال لسان حالكِ : - هكذا أنتَ تَعْبرُ من نداء إلى نداء كأنك صوت أخير .. و حبّكَ مثل موتك لن يأتكِ سوى مرة كل ألف عام . و مضى ألف عام , ألفان , مال كل مالنا ، إلى جهاتنا المتقابلة .. لكل جهة شمس , لكل شمس شروق , لكل شروق غروبه .. قلتِ : سِقني إليك , لا أحد جدير بامتلاك كحلي سوى عينيك .. ادنُ .. أنا سفر التعب فاتعبْ .. لا تمنح الشمس عذراً للشروق و كنْ نقيض الصحو حتى أصحو لك .. صمتُّ حتى تصرخي .. صرختُ حتى لا تصمتي .. تمددتُ مثل شاطئكِ , تعريتُ في النور و الظلام .. في المد و الجزر .. قلتُ :: لن ينظر البحر إليكِ إن لم تريني .. قلتُ : لا تسألي البحر شيئاً.. فجوابه عندي لكنكِ اوغلتِ بحراً و بحراً ، كي تصلي إليّ .. ذات مهلٍ .. أمهَلكِ الغيم فصلاً حتى تمطري .. كنتِ مبتلةً بي , لم تقوي على الغيم .. فاستقويت علي ّ .. قلتِ : جِدني في محيطكَ و غُصْ في منبعي .. أنا الآن متّحدٌ بي ، أتملّى ما خفي منكِ ، كي يظهر لي .. قلتُ : لن أنزل عن صليبك .. لن أجول في مدن الخشب ، باحثاً عن صليب غير قابل للاهتراء . كان نبعكِ دامعاً , غَطَتْهُ كثبان الأسى , لم أنجُ من دمعهِ بعد . ارتديتُ شغفكِ وارتديتِني لبستِني من رأسي حتى نشوتي .. صرتِ فيّ .. كيف عَلّمَتْني الحياة وجهك ؟ تتوسطيني كلما افترقتُ عنكِ و أتوسطكِ تماماً لأحدّكِ من جهاتي الست .. ماؤكِ وحدي .. صرتِ على وشكي .. ترى ، كيف ذهبت إليّ .
|