تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعد الرحيل....

آراء
الأثنين 15-12-2008
جلال خير بيك

كان مقدراً لهذه المادة أن تصدر يوم الاثنين الماضي لكن عطلة (الثورة) في العيد حالت دون ذلك، وبدل قولنا «ها هو العيد...» نقول:

كان العيد يدق الأبواب بأصابع من حزن وغياب.. وفقيد الإعلام يسحب نفسه من ذلك الصخب إلى رحاب أهدأ وأشمل.. ويترك لأهله ولنا: حقيبة ذكريات ملأى بالصخب والمواجع.. بالتهذيب والإيثار.. ويمضي في رحلة بعيدة.. لقد كان قاسياً ذلك السفر وسريعاً.. فجبران كورية: كان إنساناً طيباً وصاحب حرفة وإعلامياً يتقن مهنته.‏

ولأهله نقول: إننا نحترم أحزانكم وصمتكم ونتمنى له الجنة فقد كان صاحب ذكرى طيبة.. وله فضل الاكتشاف: إذ سبقنا إلى اكتشاف تلك الرحاب العليا والهدوء الذي فيها.. وكما كان رجل إعلام متميز فهو كشّاف سبّاق أيضاً.. فعلاوة على كونه في حياته الصحفية «مصور اللحظة» واللقطة والبادرة والخبر الموجز المعبّر.. فهو بعد رحيله مصور الكشف والرؤيا.. والساعي إلى التفرد والتوحد.‏

ليس (جبران) فقيدكم وحدكم، بل هو فقيد أصدقائه وأحبائه.. فقيد الإعلام وفقيد المودة.. وهو الذي لازمنا دهراً.. وانشغل عنا فترة أمتها مسؤولياته الجسيمة التي ألقاها على عاتقه القائد الراحل حافظ الأسد فحملها بصبر الرجال ودربة المعلمين وقدرة الأكفاء، وكان من خيار الجنود في معركة الكلمة.. الجنود الذين حملوا الرسالة بصمت الكبار وإيجاز البلغاء.. وظل وفياً لذلك القائد ومرحلته ثم وفياً للراية التي حملها بعده السيد الرئيس بشار الأسد حتى زار الموت (جبران) فأخذه معه في رحلة الغياب.‏

أيها الزميل الصديق الذي عرفته قبيل عودته إلى الوطن.. وظلّت علاقتنا طيبة حتى غيابه.. كثيراً ما كنا نلتقي.. وحميمة تلك اللحظات التي ملأها الراحل يوسف مقدسي صخباً وخفة روح!! ماذا تركت وراءك يا أبا جابر؟‏

لم تترك سوى الذكرى الطيبة ومحبة الجميع لك.. وصفوك الذي لا ينكره أحد.. وإذا قال الناس:‏

إن الإنسان لا يأخذ من هذه الدنيا سوى عمله.. فأنت أخذت معك العمل الطيب ومحبة واحترام الناس والكل مجمع على ذلك.. فخلال عمله ومسؤولياته في صحيفة تشرين: يتذكره الزملاء صديقاً وزميلاً وليس مسؤولاً فقد كان - رحمه الله- لا يعبأ بالمناصب ولا يضع هدفاً نصب عينيه إلا إنجاز العمل وإنجاحه.‏

أيها الراحل عنا وعن دنيانا المتعبة: كيف تراها تلك الرحاب الجديدة؟! وذلك الألق الأبدي اللذين سبقك إليهما أحباء كثيرون؟!‏

كانت شخصية جبران كورية جمعية وفقت بين مسؤولياته الكبيرة وحياته العامة.. فحتى في أوقات انشغاله بعمله كان لا ينسى أصدقاءه ويعيش بينهم بقدر ما تسمح الظروف: أخاً وصديقاً.. وكثيراً ماالتقيته في القرداحة خلال المناسبات التي يكون فيها القائد الراحل موجوداً هناك.. وحين أدعوه إلى الغداء أو العشاء كان يعتذر بلباقته المعهودة ويقول: أنت تعرف أنني لا أستطيع أن أغادر هذا المكان «قرب منزل السيد الرئيس».. لكنه لا يعدم وسيلة لنقضي مع بعضنا قسطاً من الوقت في المكان نفسه نتحادث ونتذكر الأصحاب والأصدقاء وشؤون المهنة وهموم الصحافة والإعلام بعامة.‏

وعندما التقيناه في الكنيسة منذ أكثر من سنة نعزيه بوفاة شقيقه الكبير: كان بكامل عافيته وليس ثمة ما يوحي بالمرض.. إذ وقف مع شقيقه الأستاذ «أنطوان» وزير الصناعة الأسبق: يتقبل التعازي بوجه بشوش وتهذيب جم ولا يخطر بباله أن شقيقه هذا سيقف بعد مدة وحده يتقبل التعازي برحيل جبران!! قاتل الله تلك المفارقات التي لا تمهل الإنسان برهة ليفكر في مآله وشؤونه.‏

وحين دخلنا الكنيسة نعزي الأستاذ أنطوان: كانت قسماته وجوارحه تقول: أرأيتم هذه المفارقة القاتلة؟! كان الجو صامتاً ومهيباً يشرح نفسه بنفسه.. ففي هذا المكان بالذات وقفا قبل فترة يتقبلان التعازي بشقيقهما الأكبر فأي معضلة صعبة هذه التي تكتنف الحياة الإنسانية؟ فبين برهة وأخرى: يكون الإنسان أو لا يكون! ويتحول هذا الكائن الجميل «الإنسان» إلى رقم ما في معادلة الوجود أو عدمه!!‏

فهو الآن هنا.. ومكانه بعد فترة خاو لا ينضح إلا بالذكرى!!‏

ويوم التشييع وقفنا في الكنيسة التي سجّي فيها الجثمان.. وكان الوجوم مسيطراً على الجميع وأصوات الصلوات والدعاء تعمّ المكان.. وصورته ماثلة أمامنا بابتسامته الراضية وحيويته التي لا تتوقع صعوبة الرحيل!!‏

أبا جابر: الذي كان يحبنا ونحبه، لم نعد نملك إلا الذكرى.. ولأهلك الصابرين ولروحك الطاهرة ولأصدقائك ومحبيك، نقول: إلى جنات الله أيها الراحل الكريم... وألهمكم جميعاً الصبر على هذا الفراق الطويل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية