تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعد الانسحاب من البصرة.. أين تتجه الاستراتيجية البريطانية?!

شؤون سياسية
الأحد 16/9/2007
بقلم توفيق المديني - كاتب تونسي

وصفت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية يوم الاثنين 3 أيلول الجاري انسحاب نحو 500 جندي بريطاني من القصر الرئاسي

الذي بني في عهد صدام حسين إلى مطار البصرة الواقع على مسافة نحو 25 كم من وسط المدينة, والذي يوجد فيه نحو 5000 جندي بريطاني, قبل انسحابها الكامل من المدينة الشهر المقبل, أنه يمثل بداية النهاية لحملة تعتبر بلا جدوى ولا طائل من ورائها.‏

وتعتبر البصرة ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد ويبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة. وتشير التقارير الصحافية إلى صراع وتقاسم واضحين لمراكز القوى في المدينة.ومن شأن هذا أن يفتح شهية النزاع على الموارد المالية وعائدات النفط في مدينة هي الأغنى في العراق, فضلاً عن موقعها الاستراتيجي.‏

وقال باتريك كوبورن الخبير في الشؤون العراقية في مقال بالصحيفة: إن بريطانيا ستقوم من الناحية المظهرية بتسليم المسؤوليات في البصرة إلى القوات الأمنية العراقية, ولكن كوبورن الذي أمضى وقتاً طويلاً في العراق كمراسل للصحيفة قبل وبعد الغزو, يوضح أن الجنود البريطانيين كانوا في الحقيقة لا يسيطرون سوى على أمور ضئيلة في ثاني أكبر المدن العراقية.‏

وقال كوبورن: إن الإخفاق البريطاني في العراق يعتبر شبه كامل بعد أربعة أعوام من الغزو ومصرع 168 جندياً بريطانياً, وأضاف أن ( سكان البصرة يعتبرون الانسحاب البريطاني ليس عملية منظمة ولكنها عبارة عن هزيمة نكراء). وكان كاتب المقال يقتبس هنا من تقرير أعدته (مجموعة الأزمات الدولية) للأبحاث ومقرها بروكسل. ويذكر المقال أن البصرة تسيطر عليها اليوم الميليشيات التي تعتبر الآن أكثر قوة عن أي فترة سابقة, وكذلك فإنها تتصرف من دون أي عقبات تعترض طريقها.‏

وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير, الذي كان شريكاً أساسياً مع الرئيس الأمريكي جورج بوش في غزو واحتلال العراق, إذ كانت القوات البريطانية ثاني أكبر قوة إلى جوار القوة الأمريكية, قد أعلن في 21 شباط الماضي عن المرحلة الأولى من جدولة انسحاب القوات البريطانية من بلاد الرافدين. وبموجب ذلك القرار انسحب 1600 جندي من أصل 7200 جندي بريطاني متمركزين في العراق, وسيتبعه انسحاب ثانٍ يعادل الأول في عدد الجنود حتى نهاية السنة الحالية.‏

ويعتبر القرار البريطاني بالإنسحاب من العراق, الأكثر أهمية الذي لا يمكن للإدارة الأميركية أن تتعامل معه بالتجاهل أو التهوين من أمره, كما فعلت في السابق, بشأن قرارات سابقة, مماثلة أو أبعد شأوا, اتخذتها إسبانيا, عقب وصول خوسيه لويس ثاباتيرو إلى رئاسة حكومتها, أو إيطاليا, بعد أن خلف اليساري رومانو برودي اليميني سيلفيو بيرلوسكوني.‏

ويعد القرار البريطاني الأسوأ في توقيته السياسي والميداني للرئيس بوش, بوصفه تعبيراً قوياً عن الإخفاق الذي منيت به سياسته العراقية, إضافة إلى حالة التأزم والانسداد الذي بلغته.‏

فبلير الذي فضل حل الخلاص الفردي هو آخر حليف كان يتوقع منه أن (يخذل) الرئيس وهكذا, فإن (قوات التحالف) تكاد تكون أميركية - بريطانية حصراً, من حيث دلالات الفعل والقوة, في حين ينحصر دور بقية الأطراف الضالعة في تلك المغامرة إلى جانب الثنائي الأنكلوساكسوني في إسباغ صفة (الدولي) على ذلك التحالف من دون اقتناع أو قدرة على الإقناع.‏

وعلى الرغم من نفي براون اعتبار انسحاب القوات البريطانية من آخر معاقلها في مدينة البصرة (هزيمة) موضحاً أنها (عملية مخطط لها وعبارة عن انتقال منظم من قصر البصرة إلى مطارها), فإن هذا الانسحاب يعد خطوة أولى من عملية الإنسحاب المبرمج لبريطانيا من هذا النزاع الذي لا يحظى بشعبية, فيما ظهرت علامات توتر في الأسابيع الماضية بين لندن وواشنطن.‏

ويشكل هذا الانسحاب سلاحاً قوياً للأغلبية الديمقراطية في الكونغرس التي تخوض معركة قوية ضد سياسات البيت الأبيض العراقية, إذ يعد أعضاء ديمقراطيون بارزون في مجلس الشيوخ اقتراحاً لبدء سحب القوات الأميركية من خلال إعادة صياغة التفويض الذي منحه الكونغرس إلى القادة الميدانيين هناك بالإلتزام بالمهمة المقلصة.‏

القرار البريطاني لم يكن مفاجئاً, فمنذ عدة أشهر كانت قيادات الجيوش البريطانية تضغط على رئيس الوزراء البريطاني بتخفيض عدد القوات البريطانية في العراق, ويشعر الجيش البريطاني أن الرأي العام لا يدعمه في حربه على العراق, وما أبعد من المبررات العسكرية, يشكل القرار البريطاني بالإنسحاب الجزئي, في حد ذاته رسالة سياسية من غوردون براون إلى مواطنيه مفادها: آن الآوان للقيام بانقلاب استراتيجي يسمح بعودة الجنود البريطانيين إلى البلد. حتى وإن أخذ هذا الانسحاب بضع سنوات, فإن الأهم هو أنه تجاوز نقطة اللاعودة بهذه المبادرة, وبعد الدخول في السنة الخامسة من الحرب, تطغى الهموم السياسية الداخلية على تفكير غوردون براون.‏

إن أهمية القرار البريطاني تكمن في أنه وجه ضربة موجعة للاستراتيجية الأميركية التي تقوم على الإنفرادية بقيادة العالم, باعتبارها حقاً محفوظاً لها, أو الأحادية القطبية التي شكلت منذ الحرب الأميركية على العراق معضلة دولية, بل أصبحت عبئاً ثقيلاً على أميركا ذاتها وعلى العالم, الأمر الذي جعل عدة دول كبرى كفرنسا وألمانيا وروسيا والصين, تطالب بالتخلي عنها لجهة العودة إلى نظام دولي متعدد الأقطاب.‏

لقد وصل نظام القطبية الأحادية إلى مأزقه المحتوم في معالجة قضايا العالم المعاصر ما بعد نهاية الحرب الباردة, يكشف على ذلك الأزمة العراقية التي عرت عجز استراتيجية بوش في تحقيق الحسم العسكري, الذي بات من المستحيلات, وهو ما دفع روسيا وفرنسا إلى المطالبة بعقد مؤتمر دولي لحل الأزمة العراقية, بوصفه الحل الوحيد الممكن لمنع العراق من الغوص في أعماق الحرب الأهلية على طريق تقسيمه, وبالتالي بلقنة بلدان المنطقة . ولعل توني بلير, ومن بعده غوردون براون, اقتنعا مؤخراً بعدم الركض وراء سراب الحسم العسكري في العراق, وهو ما جعلهما ينفضان عن الرئيس بوش ليتركاه وحيداً معزولاً في صحراء التيه العراقية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية