لكن ظلال جماليات البيت ودفء الأسرة تتضح بشفافية من خلال علاقة باقات الورود بتكويناتها وألوانها وحركية خطوطها.
وتقود الى قدرة عمر أخيرا على ضبط لغة طرحه كفكرة وقدرات تقنية متنوعة، وقد أتت هذه القفزة نوعية بحيث تتجاوز ما قدمه لونا سابقا إلا أنها لن تكشف عن عمق قدراته الفنية ما لم يقدم عملا بحثيا قائما على معالجات اللون والفكرة المتنوعة مستفيداً من مقدرته التقنية ما يمهد لخصوصية فنية بدت معالمها بالظهور. ما يجعلني أدعو عمر مجددا الى التريث بتقديم عمله القادم فالنجاح الذي حققه ينبغي أن يبني علية عمارته الفنية القادمة. عمر الحكيم في أعماله الأخيرة يقدم بانوراما لونية تقوم على اللمسة النافرة للون مستوحيا إياها من “كوخ” وان اختلفت عنها بالحركة والاتجاه وبنغمتها النفسية, فأتت جريئة صاخبة ومبسطة محتوية قوة انفعالية وحركية غنائية متفردة في إطار كتل لونية متماسكة ناضجة فنيا وإن أتت دراساتها تلقائية,
الأمر لا يضعف من غناها وجمالها نظرا لسهولة الموضوع المطروح, والأمر يختلف بموضوع أخر ننتظر أن نراه ليكون حكمنا متكاملا. قرضاب جاء الطرح تعبيريا عند الفنان قرضاب ولا يخلو من بعض التجريد والترميز قائما على تنوع الفكرة, من المرأة المتجذرة في الأرض وخفقات القلب الى الخوف على الوطن وطرح مفهوم المحرم الديني والاجتماعي والغوص الى فلسفة الوجود, ورغم أننا أمام كتل نحتية لها امتدادها في اللهب والسواد إلا إننا نرى تلك اللمسة اللونية الرقيقة تنبعث منها, فتغلف الكتل بألوان تطال فضاءات الروح. جدعان قرضاب.. ينتمي الى أقصى روحه وخياله الى الحجر الأسود المتفجر من فوهة البركان القريب من بيته, ويستشعر حرارته بين يديه كمن يريد أن يقول شيئا! بينه وبين الحجر حوارات قبل أن يبدأ البوح و انفجارات المشاعر والمخاوف والأحلام! عندها يتحول الحجر ثانية الى كتلة حمراء لينة يحرقها الفنان بحبه ومخاوفه على الأرض التي عشق سوادها وخضارها فيراها المرأة التي أحب وكل صبايا الوطن. (صعب أن تخبر الحجر بأسرارك فلا يكتم السر.. وعندها يستحق أن يكون أكثر من حجر!) تقوم الفكرة النحتية عند قرضاب على مفهوم الكتلة والفراغ فهو يوفق بجعل فراغ الكتلة جزءا منها بل يمتد الى ابعد من ذلك عندما يدمج فراغ الكتلة بالفراغ من حولها فتنتمي للمكان وتبادلك الرؤى والحوار كما في وجه المرأة النصفي, فعينها المفتوحة على الفراغ صلة الوصل بينها وبين المتلقي. وبين جمودها كحجر وحركتها كتعبير. جدعان.. المتجذر بأرضه وموروثه الفلكلوري أو الايديولوجي وبالكثير من الحرية الفكرية التي صقلت عبر تنوع ثقافته, يجد القواسم المشتركة بين الإنسان في كل مكان فينحت الحجر ليكشف عن هذه الأفكار فنرى باستعارة رمزية للمقدس الذي يخلص الوطن”العالم” من الشر القديس”الجندي” جاورجيوس وفي بعض الثقافات “الخضر” نراه معتليا الحوت كرمز للشر وهو يمزق فمه ذا الأسنان الحادة في استعارة أخرى لرمزية أداة القتل. ويميل العمل النحتي لديه الى الغموض كلما اقترب من الطوطم”الرمز” فيرى هذا الرمز يمتد الى كل واحد منا فيلتف عليه ويعزله عن الأخر. لكن أعماله النحتية تصبح أكثر حميمية وجمالية عندما تكون موضاعاته المرأة ما ينبىء عن جماليات رؤاه للمرأة فتبدو بزيها الفلكلوري منتصبة كما الحلم الجميل الذي يراه قريبا منه فيتجسد بتلك الأنثى التي يعانق شعرها الأرض ويمتد فيها, وكأن شجرة الحياة هي المرأة, في ذلك التواصل الرمزي, أو ذاك العناق والاحتضان الآسر.