تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حول لوحات نهاد كولي تداخلات تقنية تحمل بصمات الازمنة

ملحق ثقافي
18/4/2006
أديب مخزوم

ينقلنا الفنان التشكيلي نهاد كولي عبر لوحاته التي عرضت في صالة دار المدى في دمشق، الى الاجواء الشرقية، التي يستعيدها في اطار تجريدي وتعبيري يفيض بالحساسية وبالعفوية وبالجرأة التي يحفر من خلالها طبقات اللون الطري في عدد غير قليل من لوحاته الكبيرة الحاملة هواجس جدارية في الساحة التشكيلية.

ومع كل معرض فردي وجماعي، كانت تطل الاشارات التاريخية المحلية في اجوائها اللونية العفوية وتنويعاتها التقنية الحديثة التي يمكن ان تثير لدى المشاهدين موجة من النقاش الثقافي المفيد، الذي كاد ان يغيب وسط الفوضى العامة التي نعيش فصولها اليومية في حياتنا الثقافية والفنية. فالبحث التقني البارز على قماشة اللوحة والناتج عن تعدد المواد والوسائل والخبرات هو محاولة لاستنباط العوالم التشكيلية البدائية، التي نجدها في الخطوط واللمسات المحفورة والناتئة والمعتقة والمتآكلة، وهو أيضاً حالة معبرة عن الحرية العاطفية في صياغة لمسات اللون المثبت في التكوينات التشكيلية الجامعة لعدة مظاهر تجريدية وتعبيرية ( هندسية وغنائية ورمزية وزخرفية..) فالحركات العفوية البارزة في الخطوط واللمسات اللونية لاتعكس فقط جماليات الاختبارات التقنية التي توصل اليها، وانما تعمل ايضاً على كسر حدة الهندسيات وتوازنها الصارم. وهذا يعني ان الخطوط الافقية والشاقولية والمربعات والمثلثات التي تظهر من خلالها العناصر الحضارية البدائية والميثولوجية والزخرفية ، لاتبقى في حدود الرقابة العقلانية الباردة،وانما تتجاوزها الى ماهو اعمق واكثر تعبيراً عن لغة الانفعالات والمشاعر الانسانية العميقة. فاللوحة هنا تستعرض ايقاعات الاشكال من خلال التأكيد على جمالية تداخل الايقاعات الزخرفية والتكاوين الشرقية من منطلقاتها الهندسية والعاطفية معاً. فالايقاع التشكيلي البارز في جمالية فن نهاد كولي يكمن في سعيه الدائم لاظهار هذا الدمج الحيوي بين الاشارات العقلانية عبر العناصر شبه الهندسية،وبين الاشارات العاطفية في انحيازه الواضح نحو تلقائية التلوين والتشكيل. وعلى هذا الاساس يحاول اظهار قدرته على ايجاد اضافات جديدة لمنطلقات الدمج بين التأمل الهادىء لمعطيات التراث الحضاري،وبين الصياغة العفوية والبدائية المنحازة اكثر فاكثر نحو اشراقة الحالة الداخلية الانفعالية التي تترك اثرها الواضح على سطح اللوحة، من خلال اضفاء المزيد من التشطيبات التي تضرب سطح اللوحة بعنف تعبيري يعبّر في نهاية المطاف عن روح الفنون الحديثة التي اطلقتها عواصم الفن الكبرى في القرن العشرين، حيث يعمل على تحريك العناصر الزخرفية والهندسية بإيجاد توازنات جمالية بين معطيات الفنون القديمة القادمة من عمق الازمنة الغابرة في فجر التاريخ وبين الايهامات التجريدية التي عالجت قضايا التعبير عن التراث باشكال معاصرة،و هذا ما وجدناه في المعرض عبر تعددية الاختيارات التشكيلية والتقنية. ولعل هذا التوازن الذي وجدناه يتجلى اكثر في تلافيه طغيان اي جو لوني محدد، فالالوان تتعدد في اللوحة الواحدة، وتتشابك وتتداخل وتتراكم فوق بعضها البعض، وتمنح سطح اللوحة تأثيرات بصرية شاعرية ناتجة عن استخدامه لبعض التقنيات الغرافيكية التي تمنح العين المزيد من الايهام بتحول اللوحة الى اشارات بصرية تكشف طراوة التجربة وقدرتها على التواصل مع اجواء البحث التشكيلي المتنوع الذي يتخذه منطلقاً للوصول الى معطيات جديدة في خطوات بناء اللوحة الفنية الحديثة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية