ولعل نظرة إلى الحوارات التي تجريها القنوات الفضائية نلاحظ أن الهدف من هذه الحوارات ليس فسح المجال لكل جانب من المتحاورين للتعبير عن وجهات نظره ومواقفه السياسية، بل تأجيج أوجه الخلاف بين المتحاورين واستفزاز طرف ضد آخر، وهذا لعمري إساءة لدور الإعلام الحضاري المنوط به وابتعاد عن منظومة احترام الرأي والرأي الآخر.
أما بالنسبة للمتحاورين فمن الطبيعي أن ينتمي كل واحد منهم إلى فئة ويتحدث باسمها ويدافع عن توجهاتها وآرائها السياسية، ولكن السؤال الذي أود طرحه هل كل من ينحاز لفئة ويدخل في صفوفها هو سياسي ترى أليس من تعريف للسياسة؟.
تعرف السياسة بأنها فن الحكم وفن إدارة الصراع، وعلى ذلك فهي تقوم بتسيير أمور أي جماعة وقيادتها، ومعرفة كيفية التوفيق بين التوجهات الإنسانية المختلفة والتفاعلات بين أفراد المجتمع الواحد، وبهذا يتضمن هذا التعريف الاستخدام الحكيم الذي يؤدي إلى تحقيق الأهداف وهي لب العمل السياسي. وبذلك فإن ميكانيزم السياسة تدخل بها الدبلوماسية والتي هي جزء مهم من عمل السياسي، فيقال إن السياسة الناجحة تعود إلى أشخاص ديبلوماسيين أذكياء.. ونذكر الصحابي مصعب بن عمير، وكذلك في عصر التنوير كان الأديب شاتوبريان سفيراً محنكاً لفرنسا في تأدية رسالته الإنسانية حيث اتخذ من شرف الكلمة، ونبل المعنى، ودفء الحياة والفكر الإنساني هدفاً ينشد الأمل في الذات البشرية.
إن تداخل السياسة والدبلوماسية من شأنه أن يجمع العالم وطنياً وعالمياً بغض النظر عن المكان والزمان والعرق أو الجنس أو النوع فالسياسي الدبلوماسي يخترق بذكائه وكياسته الجوانب الحضارية والثقافية الفنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويسيرها لهدفه.
ولو وقفنا عند تعريف أرنست سانتو للدبلوماسية نجد أنها استعمال الذكاء والكياسة واللباقة في التعامل السياسي، والأجمل تعريف معاوية بن أبي سفيان: لو أن بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها، إن أرخوها شددتها وإن شدوها أرخيتها..
وبذلك يتوضح لنا أن السياسة والدبلوماسية صنوان وهما من يرتكز على مواهب خاصة عمادها اللياقة والفراسة وقوة الملاحظة وعدم التسرع في الإجابة، ولكني لا أجد غير سياسيين لا يمتلكون من الدبلوماسية شيئاً بل تجري حواراتهم بهجوم واستفزاز وتسرع وشتائم بعيدين جداً عن أدب الحوار أولاً أو عن فن السياسة ثانياً ولكني لا أعمم فالتعميم لغة الحمقى فهناك سياسيون كثر ننحني أمام قاماتهم منهم فارس الخوري الذي تميز بذكائه الحاد وسرعة بديهته وأخلاقه الصادقة.. ونذكر من أجوبته الحاضرة أن طالباً ثقيلاً سأله يوماً بعجرفة: ما فائدة هذه الأحرف اللثوية ولماذا نقول ثاء وظاء فنخرج ألسنتنا ونضطر إلى هذه الغلاظة فأجابه على الفور وقبل أن يتم سؤاله لا فائدة لها أبداً وسنتركها فنقول كسر الله أمثالك.
على هذا فالسياسة ليست صراخاً وشتائم وليست هجوما بالأيدي، إنها الحنكة في التعامل مع الأزمات وإدارة الصراعات وفق المصلحة الإنسانية.
hunadaal housri.com