وتدعمهم بالسلاح والمال ؟ وهل الغرب مخول ولديه الشرعية لنشر الديمقراطية في أنحاء متفرقة من العالم؟ ألا ينبغي الاتفاق مسبقاً على ما تعنيه«الديمقراطية»؟
إذا كان مفهوم الديمقراطية ينطوي فقط على تقديم ورقة في صندوق الاقتراع كل أربع أو خمس سنوات و يضمن للمواطنين الحق في التعبير عن عدم رضاهم في المواضيع الفرعية و بطريقة سطحية، يمكن أن نقرّ ببعض الديمقراطية للغرب. وباختصار، لن نتجاهل ما يحدث حاليا في اليونان أو في كيبيك، ووفقاً لمعايير أخرى، يمكن أن ندعو الغرب لتنظيف عتبة بابه الأمامي قبل الطرق والضرب على أبواب ليبيا أو سورية أو إيران.
ومع ذلك دعونا نفترض مبدئياً أن هناك من هو معني بنشر الديمقراطية على هذا الكوكب. فقبل قصف البلاد والعباد وسفك الدماء، أليس على الغرب الذي يعد نفسه رائد الديمقراطية في العالم، أن يتوقف أولاً عن دعم الأنظمة الدكتاتورية علناً والتي لا تستطيع الاستمرار من دون دعمه؟! وهذا من شأنه أن يوفر بعض طلعات الطائرات بدون طيار ودماء الكثير من الشعوب، ويسمح لشعوب السعودية وقطر وإثيوبيا وهندوراس الحق في ممارسة حقوقهم الديمقراطية.
وبشأن ما يجري في سورية، المتآمرون من العربان والأتراك والصهاينة والغربيين ممن يزعمون أن حراكهم من أجل الديمقراطية يتكلمون عن توفير السلاح الثقيل للجماعات الإرهابية المسلحة بعد أن أعياهم عجزهم عن توفير الغطاء الجوي لها.
وللتذكير، إن القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في إنشاء منطقة حظر جوي فوق ليبيا، انحرف عن مقصده في حماية المدنيين، وكان من الواضح أن قوات حلف شمال الأطلسي خرجت عن نطاقه والانتقال إلى هدف تغيير النظام مباشرة وقتل العديد من المدنيين في هذه العملية حتى بلغ عدد القتلى في ليبيا بحسب آخر إحصائية 400 ألف، ثلاثة أرباعهم من المدنيين، أي قتل 1/8 من الشعب الليبي وهنا نجد إعمالاً للرغبة التي أعربت عنها مراراً وتكراراً المملكة البريطانية على نطاق واسع لتقليل سكان العالم. فقد قصفت الطائرات الحربية للتحالف العسكري الاستعماري الأرض والمدنيين الليبيين بمنهجية لدعم انتشار وتمدد المتمردين. وغدا أن الهدف لدى شريحة واسعة من المعارضة الحربية التي يخترعها حلف الأطلسي في كل مرة يريد شن حرب باسم الإنسانية، ليس الديمقراطية ولا سيما أن الأطلسي منظمة خرجت عن أهدافها وغدت حلفاً إرهابياً لم يجلب السلام والديمقراطية إلى أي بلد تدخل فيه. وكل البشرية تعي أن حلف شمال الأطلسي ليس هو الحل لمشكلات الشعوب ولكنه جزء من مشكلاتها.
وهكذا ينادي المتآمرون ولا سيما الفرنسيون بإمداد الإرهابيين بالأسلحة الثقيلة بعد أن عجزوا عن «الدعم الجوي» لهم فوق سورية، مادامت الجماعات الإرهابية التي تقاتل في سورية بالوكالة لمصلحة الغرب وإسرائيل تجد صعوبة في الاستيلاء على المدن السورية التي فيها قوات الجيش العربي السوري الذي أصلاً هو منتشر على امتداد سورية، ولا سيما في الاختصاصات المتعلقة بالدفاعات الجوية والقوى الجوية والمدفعية البعيدة المدى والصواريخ، وما تحتاج إليه من إمدادات لوجستية ووحدات مشاة للحماية. ولطالما كانت أهداف الغرب وإسرائيل القضاء على قوة جيشنا العقائدي وعلى قوته الصاروخية لإراحة إسرائيل، ما دامت بوصلته دوماً قضية فلسطين وتحرير الأراضي العربية المحتلة، بكل السبل المشروعة. ولا يخفى على أحد لماذا أسس الغرب مجلس اسطنبول ومجلس الدوحة التآمري، ولماذا يدعم ويشرف على الجماعات المسلحة المتعددة الجنسيات التي تجهد في تفتيت سورية، كما فتت هذا الغرب يوغسلافيا، بذريعة الحفاظ على الاستقرار الإقليمي.
الغرب يتدخل عسكريا إذا كان لديه مصلحة في التدخل في أي مكان ومع ذلك يزعم بعض المحللين والمؤرخين أن لا مصلحة للغرب في التدخل في سورية، فلماذا إذاً يدعم المسلحين ويرسلهم إلى سورية ويحاول مراراً الحصول على قرار من مجلس الأمن لدعمهم بغطاء جوي أطلسي أحبطه الفيتو الروسي الصيني، وربما الخوف من خوض مغامرة غير محسوبة؟ ويبدو أن هؤلاء لا يقرؤون جيدا ما يحدث في الوطن العربي الذي يسميه الغرب اليوم « الشرق الأوسط الكبير الإسلامي» لخلط الأوراق في محاولة لتحويل مجرى الأحداث لمصلحته عن طريق إضعاف المحور الذي يتصدى له في إيران وسورية ولبنان وغزة مستخدماً في ذلك وصفته الاستعمارية القديمة « فرق تسد» ومطبقاً عن طريق حلفائه الوهابيين والإخوانيين وصفة الطائفية ولاعباً على هذا التناقض العميق الذي يمر عبر المنطقة. ولا شك أن النهب الاقتصادي الجديد في الشرق الأوسط الآن، يقتضي إثارة طرف من العملاء والرجعيين الذين يساعدون الغرب بمواجهة أصحاب المشروع الوطني والقومي. وقد وضعت الاستراتيجية ذاتها في الستينيات حيث لعب آل سعود الدور بمواجهة جمال عبد الناصر الذي كان يدعو إلى استقلال العالم العربي فوضع الغرب الإسلام السياسي الوهابي السعودي بمواجهة العروبة والعلمانية، وفي الثمانينات بمواجهة سورية وبالأدوات ذاتها. والظاهرة نفسها تتكرر اليوم في أكثر من مكان في العالم العربي، ومع ذلك فالشعوب العربية متحدة في وضع حد لنهب الشركات المتعددة الجنسيات ولتآمر الطغاة الخليجيين الذين هم دمى بيد الغرب ويقومون بمهمة العسس والحراسة لمصلحته. وإذا كان بعض المحللين والمؤرخين لا يفهمون لماذا يجري خلط الأوراق، ولماذا يدعم الغرب «الشعب المظلوم في سورية» على حد تعبيره، ثم يقمع الشعب في البحرين وفلسطين، ولا يعرفون لماذا تجند دول الخليج الإرهابيين المرتزقة الأجانب وتسربهم إلى سورية وتدعمهم هم والمتمردين السوريين بالسلاح والمال، فيجب أن يتساءلوا لماذا لا يدعم آل ثاني وآل سعود غزة التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي الآن؟ غزة التي تعريهم دائماً وتكشف خداعهم!