طبيعة الحياة تحتاج التغيير، وكل تغيير له أدواته المتوافقة مع متطلبات الزمن ومتغيرات العصر...
والتغيير اليوم في جائحة ربيعه أعتى أدواته الإعلام، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما يدعى تغريدات لتناسب تسمية الربيع...
وعند التمحيص فيما يحدث نجد الربيع خريفاً، والتغريد نعيقاً ونقيقاً.. فقد استلبت حرية الإنسان وتاهت مفردات الحياة في فرضية الفوضى الخلاقة..
وأصبحت مفاصل الشرعية العربية والدولية دواوين لتصدير القرارات الجائرة.
والمواطن العربي استفاق من فورة الثورة، ليجد نفسه في عهدة مجموعات تريد الردة له إلى ما قبل خمسة قرون من الزمن، إن لم يكن عودة للجاهلية الأولى في استباحة القتل وإزهاق الأرواح التي حرم الله تعالى إلا بالحق...
والمبررات شتى، فما أكثر مبررات الشر لأنه يستفيض في المساحة الأكبر، لكن الخير رغم قلته وحَمَلَتَهُ أقوى، فهو مستنبط الحق والخير، والحق هو الله والخير ما يهيئه الله للبشر.
وفي استعادة الذاكرة لمشاهد نهاية عام 2008 نجد سورية وحدها تقف إلى جانب أهلنا الغزاويين. وكتبت أقلامنا عن غزة هاشم وانتصارات أهلها في صمودهم، وسورية الظهير الأقوى لها في وجه الصفاقة الصهيونية الخالية من كل معاني الإنسانية. وقتها ارتفعت أصوات الأهل هناك تتمنى لو أن لها بضعة أمتار حدودية مع سورية لكانت أقوى وأمنع.. قياساً لما كان عام 2006 في انتصار جنوب لبنان.
في ذات الوقت كانت الحكومة المصرية تردم أنفاق الحياة الواصلة لغزة، وتقطع كل الشرايين الموصولة بها. وتنغرس لعشرات الأمتار الجُدُرُ الفولاذية تحت الأرض والعدو المتغطرس يرتع ويتربع فوق الصواريخ التي يطلقها على غزة ويسجل صغاره عليها موتوا مع حبنا..
ما أشبه اليوم بالغد مع وجود كل الفوارق التي نرى...
يجتمع مجلس الأمن خلال ساعات لينتصر للكيان الصهيوني الذي يجرّم أهلنا الفلسطينيين ناعتاً أفعالهم في التصدي بالإرهابية. ذات المجلس اجتمع أكثر من مرة لينتصر للإرهاب الذي يمارس في سورية وليطالب بعض حضوره بالتدخل العسكري على سورية الوطن والدولة. والجامعة العربية ترجئ الاجتماع أياماً لتدرس ما يحدث في غزة فتمنح الوقت الكافي للعدو الصهيوني ليستفحل عنفه وغطرسته ضد الشعب الفلسطيني. لكنها تسارع في وقت مضى للاجتماع والاتفاق (وهي التي لم تتفق يوماً) ضد سورية لإشغار مقعدها في الجامعة، وكأنها زائر يمكنهم عدم استقباله وقت يشاؤون.
وهي المؤسِسَةُ في هذه الجامعة. (عجيب يا زمن) الطارئ يبعد المؤسس. والوليد الهجين (طفل الأنبوب) يقصي ابن الرحم...
وفي غابة الأشقياء هذه تختلط المفاهيم والأوراق ويرتفع صوت من لا حَمْدَ له ولا غفران ليعلن انهزام العرب بالقلم العريض.. مؤكداً أن لا فائدة في مواجهة إسرائيل لعدم القدرة العسكرية الفلسطينية الغزاوية في التصدي للعدو، وينصح بالتخاذل وطأطأة الرؤوس حيث لا جدوى حسب إعلانه وتصريحه قائلاً بالحرف (لن ينتج لصالح غزة شيء فلِمَ تَرُدْ على العدوان الإسرائيلي) تباً له من تصريح. فهل نسي أن غزة هذه (معسكر الاعتقال النازي المفتوح في الهواء الطلق) انتصرت إرادتها فأدخلت الرعب يوماً في قلب العدو. واليوم تجعله يتدحرج على أدراج الملاجئ... وببلاهةٍ أو خبثْ ينعت ذاته وبعض من معه بالنعاج (عاشت الأسامي) هل يعلم أين تجمع النعاج.. ويربأ بنعت العدو بالذئب المفترس...
هل من خذلان أكثر من هذا وإعلان صريح بالارتباط والارتهان. أما بات واضحاً أن ما يحدث هو ناتج زيارةٍ للكيان الصهيوني قبل زمن قصير من هذا العدوان الغاشم..
وزيارة أخرى لغزة، والأقلام الفاخرة والساعات الثمينة /هدايا الشيوخ/.
في ركاب رسالة التعظيم والتعزيز لقادة صهيون عبر الرسائل.. ألا فليتفكر المتفكرون..
وتُفاخِرُ القوة الصهيونية بتصدير إسمٍ لما يمارس على غزة أنه عمود السحاب.. فهي نية مبيتة حيث لم يأت الاسم جزافاً. إنه ضمن سلسلة أسماء مدروسة لعمليات مخطط لها ومحددة المواعيد. في سلسلة انتهاك لحياة المواطن الفلسطيني والعربي. أجندتها مرسومة ضمن روزنامة زمنية وضعت بقَدَرْ. متزامنة: إِنْ مع حَدَثٍ تحاول تمريره كتهويد القدس وقتها.
أو انتخابات يشتري بها اليوم النازيون الجدد الأصوات عبر عمليات اختلفت تسمياتها والفعل واحد.
وهي أسماء توراتية وردت في العهد القديم (برعاية الرب الذي يحمي اليهود) فعمود السحاب هذا يسير به الرب قبل قوافلهم التائهة في الصحراء ليدلهم على الطريق للنجاة حسب ورودهم...
ولا ننسى من تسمياتهم الكثيرة التي تجاوزت المئتين وتسع وثلاثين اسماً حتى الآن عناقيد الغضب الذي قاسى منه أهلنا الموت الجماعي، وضربة البرق و(السماء الزرقاء) ولعله أوحى لبعض بني جلدتنا فاقتبسوه شعاراً ورمزاً (لزمرتهم) في تضامن خفيّ ضد سورية العربية - وكثير من أتباع جماعتهم قد لا يعلمون - وعملية الرصاص المصبوب على ذات غزة ليست ببعيدة. وما زالت عوالق فوسفورها تنتج الأجنة المشوهة كما تَشوّهَ الشجر والأرض والحجر.
وهم في كل ممارسة ضد أهلنا في الأرض المحتلة أو في جنوب لبنان أو حتى بخرق الأجواء السورية أو العربية.. يكون في المقابل ما يمررونه في الداخل للفت الأنظار للفعل الظاهر في تمرير المستتر..
في فرضية للإرغام على التطبيع وشرعنه ما يفعلون - إن لم يكنْ -.
والتسمية تأتي أدبية في كثير من الوقت تخفيفاً وتلطيفاً لحدة الحدث ولعل عمود السحاب مستوحى من كتاب أعمدة الحكمة ذاك الذي ألفه لورنس المكنّى يوماً بلورنس العرب وهو يخفي بزيف عباءته ما حاكه للمسلمين للتخلص منهم والعرب ضمنهم، في فرضية تحريضهم على بعضهم البعض إقليمياً (عرباً وأتراك) لتمزيقهم كما يقول (في عقر دارهم) وزجهم في الخوض بحروب دينية على رمزية الطائفية حتى لا يظل الإسلام (يخوفهم) حسب قوله... وهذا ما كان. فوليد اليوم مؤشراته قبل مئة عام. كان ذاك عام 1913 حين أصدر كتابه (أعمدة الحكمة) ولكننا لا نقرأ، وفي هذا مقتلنا.
ناسين أن الحرية هي الجسر الواصل بين الحياة والموت وأن المقاومة التي تنزف الآن دماً لن تنزف هواناً رغم زمن القحط والجفاف الذي يجتاح وطننا العربي اليوم.
الصفيح الساخن الذي تشوى عليه غزة وأهلوها سيكون الشوكة التي تعطل فيل الأبابيل. وفوهة البركان التي يسعرونها تحت الجسد السوري لن يجعلها لقمة سائغة مهما اشتدت حروب الردة الربيعية حولها...
أما ما يحدث خارج حدودها من ارتهان وارتباط مهين لبعض حملة هويتها، وسنٌّ للأنياب في بعض المشيخات لبعضٍ ممن سلبت منهم ذواتهم لغرسها في جسدها الأبي، ممن دجّنوا في الإدارة الفرنسية بسواد قلوبهم وشطارة عقولهم حسب ظنهم. ومهما غيروا من أسماء وشخصيات لابد أن الصورة أصبحت واضحة أمام الشعب السوري الذي لا يتنازل عن حقه في رسم حياته بعيداً عن الفنادق وأروقة الفتنة.
وجنود سورية الأشاوس بالمرصاد لأذرعهم المخربة على أرضنا كما أهل غزة بالمرصاد لمن ينتهك حرماتهم..
أما من ابتلي بقصر النظر ومحدودية الرؤية... فليمسحوا زجاج (نظاراتهم) ليتعلموا من الشعب الشامخ في سورية دروس حماية الوطن. فليس سوريّاً ولا يستحق هويته من يلمزه ولو بكلمة من الداخل أو الخارج، لأنه سيظل على هامش التاريخ. ومن يتوارى خلف الدماء والأشلاء لا يمكن أن يحترمه الزمن ولن يذكره إلا بالسوء. وليستبشر الجميع، لن ينجح أيٌّ في مخططه لسحق سورية أو تقسيمها. فقد تقسمت أفكاره ومشاعره ووجدانه وإنسانيته وهو يسحق نفسه قبل أن يسحقه التاريخ..
ومن يجلد الوطن اليوم بسوط الطائفية فعليه أن يعلم تماماً أن سيف الوطن الدمشقي قادر على بتر سوطه وتقطيعه.. فالحرية ما كانت يوماً فوضى، ولا قتلاً وتدميراً لمقدرات الوطن وأهله. والتحدي اليوم كبير جداً. وتنظيف عقول أبنائنا مما زرع فيه من شوائب قد بدأ مع أول قطرة دم طاهرة أريقت في الوطن. ومن يبحث عن وطن أو رئيس لا لون له ولا رائحة ولا طعم لا مكان له بيننا وهو في خياله فقط. فلون رئيسنا من لون شعبه والوطن، وكل ما لا ينتمي لهذا الشعب عابر وزائل، بأبي أنت وأمي سورية، عرينٌ صامد ينأى ليوثه عن درب النعاج.
لن يتكسر هدير الفرات وعناقيد الفستق الحلبي ستبقى تزين الفضاء، والجلنار يزهو على أغصانه، وسيظل الياسمين يشرق لتمحو ريحه رائحة البارود، (ومحال أن ينتهي الليمون).
وللدنيا نقول إننا منتج (صنع في سورية).
كما الدم الطاهر لأهل غزة (صنع في فلسطين).