بزعزعة واستقرار الشرق الأوسط بكامله, فبعد مضي أربع سنوات دامية منذ الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق في آذار من عام 2003 وهو غزو استعماري حديث بجميع المقاييس, ها نحن نخطو الخطوات الأولى لمداواة الجرح الكبير الذي أحدثناه هناك, وكان للمشاركة الاقليمية من قبل جيران العراق أهمية كبرى بما فيهم مصر وغيرها من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وبعض الدول الهامة, وقد سبق هذا المؤتمر لقاء ثنائي جرى في الرابع من آذار الجاري بين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز, والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في العاصمة الرياض.
وأشار ذلك اللقاء إلى عزم الزعيمين الكبيرين على التقاط زمام المبادرة والتصدي لمهمة صنع مستقبل المنطقة بدلاً من تركها لقمة سائغة لتدخلات القوى الأجنبية الطامعة.
وأشار جلوس ممثلين ودبلوماسيين من إيران وسورية والولايات المتحدة الأميركية إلى مائدة المؤتمر إلى أنه ربما بدأ النهج الواقعي البراغماتي يفعل فعله ويسود في واشنطن بعد مضي سنين من العمى الايديولوجي.لكن يجب على الجميع أن يدركوا أن طريق التقدم إلى الأمام في هذا الإطار لن يكون معبداً وسهلاً فمما لاشك فيه أن هناك مجموعات مثل (القاعدة) التي تأمل أن تنشئ مركزاً لها في العراق تواصل منه تنفيذ عملياتها وأجندتها الواسعة النطاق ستعمل بكل ما عندها من أجل تقويض عملية السلام هذه, وهناك جماعات أخرى لاتزال تشعر بالغبن وبعدم تلبية طموحاتها وأطماعها, ولذلك فهي شديدة الحرص على مواصلة القتال, لكن على الرغم من ذلك فإن انعقاد المؤتمر بحد ذاته يشير إلى صحوة العالم أخيراً وانتباهه لمخاطر السماح للعراق بالانزلاق إلى مهاوي الفوضى والتمزق الداخلي, ومن وجهة نظري توجد ستة متطلبات لا بد من توفرها حتى يترسخ السلام ويسود الاستقرار.
أولاً: يجب أن تدرك الدول الاقليمية المجاورة للعراق الحقيقة أن لا مصلحة لها إطلاقاً, بل إنها ستخسر الكثير في حقيقة الأمر من نشوب المزيد من النزاعات الاقليمية, وكذلك الاجتماعات التي ستليه في الأسابيع القليلة القادمة على مستوى وزراء الخارجية وبالنظر إلى اختلاف التطلعات وتباين المصالح الحيوية بين المؤتمرين والمجتمعين, فإنه ليس من السهل التوصل الى اتفاق فيما بينهم.
ثانيا: لقد حان الوقت لجميع الفصائل والمليشيات العراقية المختلفة أن تتفق على أهمية وضع حد للاقتتال وأعمال العنف, على أن الجزء الأعظم من هذا الاتفاق, يعتمد على توفر صيغة لاقتسام الثروة والسلطة بين العرب والأكراد وكذلك ما إذا كانت الدول الاقليمية المجاورة للعراق, ستمارس المزيد من الضغوط على هذه الكيانات بهدف حملها على التراضي والاتفاق فيما بينها. ولكن لن تكون هذه مهمة سهلة أبدا في الحقيقة.
ثالثا: لقد أصبح من الضروري اقناع الأكراد بأن افضل مستقبل لاقليمهم الذي حافظ على استقلاله الذاتي عن بغداد الى درجة كبيرة, ليس في انفصاله عن العراق, وإنما في بقائه فيه, في إطار وحدة فيدرالية يتمتع فيها الاقليم باستقلاله الذاتي القائم. وكما تعرف, فإن هدف الاقليم اجراء استفتاء شعبي عام على ما إذا كانت مدينة كركوك الغنية بالنفط ستتبع لبغداد أم لحكومة اقليم كردستان. ومن وجهة نظري الشخصية, إن فكرة الاستفتاء هذه خاطئة من الأساس, لكونها ستشعل نيران معارضة شديدة لها, ليس من قبل العرب (الشيعة والسنة) وحدهم, وإنما من قبل الحكومة التركية أيضا. وعلى الأكراد أن يتحلوا بكياسة وفطنة, بحيث: (ليس كل ما يتمناه المرء يدركه) حرصاً على وحدة العراق واستقراره.
رابعاً, وهذا الأهم: أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تدرك أنه لا سبيل لإحلال السلام في العراق, ما لم تحدد موعداً زمنياً قاطعاً لانسحابها العسكري الكامل منه, الجدير بالذكر هنا, أن وزير الدفاع الأميركي الجديد -روبرت غيتس- كان قد أشار إلى رغبة بلاده في ابقاء قواعد عسكرية طويلة الأمد لها في العراق, على غرار قواعدها في كل من اليابان وألمانيا وغيرهما. والحقيقة أن أميركا ليست بحاجة لأية قواعد عسكرية في العراق بحجة حماية مصالحها الحيوية.
خامسا: حتى يتحقق استقرار العراق وأمنه, يجب إعادة بناء جيش قوي وقادر على ترويض الميليشيات وكسر شوكتها, بشرط ألا تفوق قدرة هذا الجيش حداً يثير مخاوف كل من إيران والكويت, اللتين عانتا الأمرين من النظام العراقي السابق عليهما في الماضي القريب.
سادساً: يجب إنشاء برنامج دوري لإعادة توطين اللاجئين والنازحين العراقيين البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة, يعيش أغلبهم أوضاعا مأساوية ومزرية جدا. ولا يوجد هناك وقت يمكن هدره في جمع الأموال اللازمة لهذا البرنامج, مع توقع أن تسهم فيها الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر.
وكم ستطول السنون بنا لإزالة كابوس هذه الحرب التي تعد من أبشع وأكبر جرائم تاريخ البشرية في العصر الحديث.