|
شاكر بريخان نصف قرن من الفن شؤون ثقا فية ويعد الفنان شاكر بريخان من الفنانين الأوائل الذين أسسوا للنهضة الفنية السورية , وهو فنان شامل قل أن يوجد له مثيل , فقد عمل في الكتابة والإخراج الإذاعي وكتابة الشعر الفصيح والزجل والتلحين والتمثيل في المسرح والتلفزيون , وهو في جميع الفنون كان مبدعا متألقا , فلاتزال أعماله في الذاكرة , وما رسوخها إلا نتيجة قدرتها على التعبير عن المشاعر والأحاسيس الإنسانية . وكنا قد أجرينا عدة أحاديث مع الفنان شاكر بريخان على صفحات الثورة ومنها حديث مطول عن مسيرته الفنية منذ نحو خمسة عشر عاما . البداية ولد الفنان شاكر بريخان في حلب بحارة (الجلوم) عام 1926 وينحدر من عائلة اهتمت بالعلمِ والفن , و ظهرت موهبته الفنية وهو لا يزال طالباً في المرحلة الإعدادية في أربعينات القرن الماضي, وكان لديه ميل للتمثيل والموسيقى وكتابة الزجل . وكانت بداية الاحتراف في إذاعة حلب عام 1956 , ويذكر الفنان بريخان في حديثه أن الإذاعة كانت الملتقى الفني الوحيد آنذاك , إضافة إلى النشاط المسرحي على مستوى الأندية والفرق الخاصة , وكانت برامجها تبث على الهواء مباشرة , وضمت إذاعة حلب آنذاك مجموعة من الفنانين الذين تابعوا المشوار في التلفزيون بدمشق . وعن الباب الذي دخل منه إلى عالم الفن يقول الفنان بريخان : ( كنت معدا ومخرجا في إذاعة حلب وعندي هواية الكتابة والشعر الغنائي , ومن خلال عملي تم الاحتكاك والتواصل مع الجو الموسيقي , وطبعا كنت أثقف نفسي بالاستماع بحكم عملي في الإخراج , وكان مطلوبا من المخرج أن يكون متذوقا وملما بالموسيقا , وهذا شدني إلى ساحة التلحين ) . وحول انتقاله للعمل في دمشق يذكر أنه انتقل إلى دمشق عند افتتاح التلفزيون , وقد احتضن غالب طيفور رئيس دائرة الموسيقى آنذاك القادمين من حلب وعملنا اسكتش ( عقد اللولو ) مع دريد ونهاد وفهد بلان وسحر وقدمناه بمناسبة عيد الجيش في نادي الضباط , وعينت بعدها نائبا لرئيس دائرة الموسيقا . الأغنيات الوطنية وحول غلبة الموضوع الوطني على أغنياته وألحانه يقول الفنان بريخان: ( أنا وحدوي هويتي معروفة واكبت القضايا الوطنية والقومية , ويجب على الفنان الوطني هو أن يواكب الأحداث الوطنية ويتفاعل معها ) . وعندما اتحدت مصر وسورية كتب شاكر بريخان ولحن أغنية ناصر الله كبير والله الناصر , وعندما قامت ثورة آذار كانت أولى أغنيات الثورة (حمدا لله على النصر ) من كلماته وألحانه , وغنتها المطربة سحر , كما لحن من كلمات منيف حسون عدة أغينات منها ( عايشين الثورة ) وغنتها المجموعة و( مكاسب شعب ) وغناها سمير حلمي وكروان وسحر ورفيق شكري , وللعالي يا طلاب المعالي , وغنتها كروان وسحر ورفيق شكري وسمير حلمي , ونظم ولحن للفنان رفيق سبيعي ( الله مع ها لثورة ) و( سيروا على ما يسر الله ) . وعندما حدث الصراع مع شركات البترول الأجنبية كتب ولحن ( بترول العرب للعرب لكل امة العرب )انطلاقا من شعار رفعته الثورة ( بترول العرب للعرب ) , وقد كتب ولحن للمنجزات فلحن لسد الفرات أغنية( رح نبني السد) , كما تفاعل مع العمل الفدائي وكتب ولحن لمصطفى نصري أغنية ( يا يما لا تبكي علي أنا رايح أفدي الحرية ) . ويقول الفنان بريخان : بعد نكسة حزيران كان علينا أن نحث الناس على الاستمرار والصمود وليس تثبيط الهمم فلحنت من كلمات الشاعر فوزي المغربي ( رصوا الصفوف )+ وغنتها مها الجابري . وبعد حرب تشرين قدمت أغنية( نحن النسور نسور سورية العرب) من كلماتي وألحاني وأصبحت نشيدا للكلية الجوية . وأعطيت صباح فخري كلمات أغنية ( عقدنا العزم أن تحيا أمانينا ) و لحنها حسين نازك وتم تسجيلها في بيروت , وأعطيت ( فاتن حناوي ) نظما وتلحينا قصيدة أُحِبها وموطن الإباء تتغنى فيهما بسورية . وحول الدافع لتوجهه إلى الأغنية الوطنية يقول الفنان شاكر بريخان: (كنت أحس بفراغ في هذا المجال , وكانت الأحداث تلاحقنا , وعندي اعتقاد أن الفنان عنده رسالة يجب أن يتقنها , لذلك رأيت ان أمنح كل شحنتي العاطفية للوطن , لم أتعامل مع الكلمة المكررة وحتى الأغاني غير الوطنية كان لها رسالة اجتماعية مثلا أغنية ( ياولد لفلك شال ) لرفيق سبيعي كانت ضد تقليد الشباب للغرب في الأزياء وطريقة تصفيف الشعر , وكنا في فترة صعبة وكان لا بد من لفت نظر الشباب إلى شحنهم اجتماعيا والالتزام بقضايا أمتهم . أغنيات التصحيح وتابع الفنان بريخان تألقه في الكلمة واللحن عند قيام الحركة التصحيحية , وحول هذه المرحلة يقول الفنان بريخان : تفاعلنا مع التصحيح ورأينا في الحركة التصحيحية شيئا جديدا , يعني تصحيح المسار نحو الطريق الصحيح , وكانت أول أغنية من كلماتي وألحاني ( وعد القائد ابن الشعب ) ثم ( معك الشعب كل الشعب ) وغناهما جلال سالم , ثم أغنية ( رعاك الله ) وغناها موفق بهجت وتم تسجيلها في القاهرة من أجل اشتراك المجاميع في الأغنية , وفي الذكرى الأولى للتصحيح أعطيت مصطفى نصري كلمات وألحان ( زادك الله ) . ألحان لكل الأصوات غنى من كلمات وألحان الفنان المبدع شاكر بريخان عدد كبير من أهم المطربين نذكر منهم مصطفى نصري , كروان , سمير حلمي , محمد عبد المطلب , رفيق شكري , موفق بهجت , فهد بلان , نهاد عرنوق , إنعام صالح ,الثلاثي الأندلسي , سحر , رفيق سبيعي , مها الجابري , ثلاثي الطرب , جلال سالم , دريد عواضة , ياسين محمود , وبلغ عدد ألحانه أكثر من مئتي لحن تناول فيها أكثرأنواع من الغناء.. فنان شامل وتحدث الفنان بريخان عن نجاحه في عدة مجالات من الفنون فقال : أنا نشأت هكذا , مارست الإعداد والإخراج في الإذاعة واكتسبت خبرة , وتعاطيت مع الكلمة واللحن وكان لي مساهمات فيهما وسرت في عدة ألوان فنية . التمثيل أولى مشاركات الفنان بريخان التمثيلية في التلفزيون كانت في مسلسل ( مذكرات حرامي ) من تأليف حكمت محسن وإخراج علاء كوكش . وحول أداء عدد من الأدوار التمثيلية يقول : ( لا أعتبر نفسي ممثلا , ولم أطرح نفسي ممثلا يأتي مخرج فيقول هذا الدور لك فإن وجدته مناسبا قمت به , لكن عندما تأسست أسرة تشرين رأى المخرج أنني أصلح لدور الأستاذ في ضيعة تشرين فمثلت الشخصية , وكنت منسجما مع الدور في اسكتش الأميين لأنني كتبته ولحنته . ثم شاركت في جميع مسرحيات أسرة تشرين , وإلى جانب دوري التمثيلي لحنت أغاني المسرحيات ومنها بالفرح بالعز بالديار معمرة و راية السودا الحزينة وغربة بعيدة ) . المنوعات وحول عمله في المنوعات يذكر أنه بعد تقديم برنامج إذاعي أسبوعي على مدى سنة , قيل لنا نريد تقديمه تلفزيونيا فاخترنا أربع حلقات وقدمناها في برنامج تلفزيون الساعة. ** كبرياء وحول ابتعاده عن العمل الفني خلال السنوات الأخيرة قال الفنان شاكر بريخان : من يبتعد عنك ابتعد عنه , ولا أفرض نفسي على أحد , مكتبة الإذاعة والتلفزيون مليئة بأعمال كثيرة لي وعندما يعرض علي عمل ويكون لدي طاقة أقدمها . وأردف : أنا لا أعرض نفسي لأن كل من يعرض نفسه ذليل , و لا أرضى أن أكون ذليلا , كثير من الفنانين الكبار قدموا أعمالا لا تناسب تاريخهم بسبب الحاجة , وأنا لست مضطرا للخضوع لهذه المعادلة . أيضا كثرة الظهور على الشاشة تضر بالفنان أكثر يعني ليس من المناسب أن يفرض الفنان نفسه على المشاهد ( الطالعة والنازلة ) . وعن سبب قلة أعماله قال : أنا فخور بالقلة ولا أحب أن أظهر إلا إذا كان عندي شيئ جديد لا أحب أن أكرر نفسي . ** اكتشافات قدم الفنان شاكر بريخان خلال حياته الفنية الدعم لكثير من المواهب الغنائية بألحانه وكلماته , بعضها كان في بداية الطريق , وله السبق في اكتشاف عدد من الأصوات الغنائية التي تألقت في الساحة الغنائية العربية . ومن الأصوات التي أعطاها النجاح الفنان فهد بلان , ويذكر الفنان بريخان أن فهدا جاء إلى إذاعة حلب بعد أن نجج في برنامج الهواة بإذاعة دمشق بعد أن نجج في أداء أغنيات فريد الأطرش وكان مدير إذاعة حلب المذيع المخضرم توفيق حسن , وتقدم فهد للجنة الصارمة فلم توافق , وكان عليه أن يعود في اليوم التالي خائبا . وتحدث توفيق حسن مع الفنان بريخان وقال له أسهر مع فهد وانظر ماذا يمكن أن نساعده , فهو ضيفنا , وسهر بريخان مع فهد بلان فرآه مليئا بالرجولة وظريفا مع جلسائه , ولفت نظره إتقانه للهجة البدوية . وهنا جاءت فكرة أن يعطيه بريخان أغنية باللهجة البدوية ولمعت الأغنية في ذهنه فقال لفهد : ملك الأغنية العاطفية , خذ جرب هذه الأغنية , وكانت أغنية آه يا قليبي مع سحر , وفي اليوم التالي استمعت اللجنة للأغنية وأعطته علامة النجاح وكانت بداية فهد بلان في عالم الغناء . وأول عمل ظهر فيه الفنان رفيق سبيعي على شاشة التلفزيون السوري عام 1961م كان من خلال برنامج ( فكر واربح ) الذي كان يعد ويقدمه ( خلدون المالح ) , وغنى فيه رفيق من كلمات وألحان شاكر بريخان ( يا ولد لفلَّك شال ) , وكانت شخصية (أبو صياح ) الغنائية قد بدأت في الإذاعة من خلال أغنية ( داعيكم أبي صياح ) , ولقيت أغنية ( يا ولد لفلك شال ) نجاحاً كبيرا أدت إلى استمرار التعاون بينهما , حيث نَظمَ ولحن بريخان لشخصية أبو صياح أعمالاً كثيرة بلغت ستاً وعشرين أغنية . وكان أول لحن لمصطفى نصري للفنان بريخان في أغنيته العاطفية ( عطشان يا صبايا ) , فقد كان مصطفى ضمن كورس إذاعة دمشق , وقد لفت نظر بريخان الذي وجد فيه كما يقول صوتا حلوا متكاملا ويملك مساحة واسعة , فاتفق مع الشاعر انطوان مبيض على إعطائه أغنية , فكانت الثمرة أغنية ( عطشان ياصبايا ) وعنوانها من التراث الشعبي لكن بريخان أعطاها سمة خاصة تختلف عما ظهر ت به من قبل لحنا , فكانت طريق مصطفى نصري إلى النجاح والتألق , وقد صنف مصطفى بهذه الأغنية مطربا وأعطي الحد الأعلى من التعرفة آنذاك وكانت ثلاثمائة ليرة سورية . ** أسماء وأرقام يزيد عدد الألحان التي أبدعها الفنان المبدع أكثر من مائة وتسعين لحنا , وكتب كلمات أكثر من سبعين أغنية , و يبلغ عدد الأغنيات المسجلة من ألحان الفنان شاكر بريخان في مكتبة الأشرطة في إذاعة دمشق 198 أغنية , وضمنها عدداً من الأغنيات تمت إعادة تسجيلها في مناسبات الاحتفالات الوطنية , وفي مهرجان الأغنية السورية كتب الفنان بريخان كلمات عدد كبير من أغنياته ,يزيد عددها على سبعين أغنية , ومنها الفصيح والشعبي. تعامل مع أسماء لامعة من شعراء الفصحى ومنهم سليمان العيسى , عزيزة هارون , خليل خوري , حسين راجي , مصطفى البدوي , غسان الشامي , حسيب كيالي , علي كنعان , صالح هواري , عبد الكريم الناعم , محمد عمران , خليل خوري , ومن الكتاب العرب حيدر محمود, عبد الرحيم منصور , وعبد الرحيم غنيم كما تعاون مع شعراء الأغنية الشعبية , ويأتي في المقدمة الشاعر عيسى أيوب باثنين وعشرين لحنا , وتراوح التعامل مع بقية الشعراء بين اثنين وحتى ست أغنيات نذكر منهم حسين حمزة , منيف حسون , أحمد قنوع , عمر حلبي , جورج عشي , فوزي المغربي , محمد جومر , سمير المصري , انطون مبيض , مصطفى الحاج , نظمي عبد العزيز , أحمد أيوب , ورفيق سبيعي . الأصوات تعامل مع مختلف الأصوات على خصوصيتها ويأتي رفيق سبيعي في المقدمة بست وعشرين أغنية , ثم سحر بأربع وعشرين ومصطفى نصري بأربع عشر أغنية , وكروان ثلاث عشرة ثم جلال سالم ومها الجابري ولكل منهم تسع أغنيات . ونذكر أيضا إنعام صالح ودريد عواضة وفاتن حناوي وفهد بلان ونهاد عرنوق وياسين محمود وموفق بهجت , وأعطى ألحانه أيضا لبسمة والفت و سهام ابراهيم ووليم بركات , واعادت أصالة في كل مناسبة أغنيات والدها الوطنية , ومن المطربين العرب الذين ترنموا بألحانه الفنان محمد عبد الطلب , وأعطى للممثلين عبد الرحمن آل رشي , أميمة الطاهر , هالة شوكت . ويبدو شغفه واضحا في منح عدد كبير من أغنياته للمجاميع , ولا سيما أغنيات الثورة التي تعطيها المجموعة قوة وتأثيرا أكبر , فأعطى للثلاثي الأندلسي وثلاثي الطرب , وقدم أغنيات بمجموعة أو أداها ثلاثة مطربين وقدم ثنائيات .
|