سألتها عما تريده فقالت إنها تريد أن تقابل أي شخص ممن يعملون في التلفزيون يستطيع أن يحل لها مشكلتها و التي تتلخص بأن هناك من يتجسس عليها و على شؤونها الشخصية عبر شاشة جهاز التلفزيون ..!
و حين سألتها عما يجعلها تظن هذا الظن , قالت لي إنها تجلس مع أمها كل مساء في حال من الهدوء و بمجرد أن تشعل التلفزيون تصابان معاً بالتوتر الذي يقودهما إلى الشجار ..!!
استطرفت الفكرة و سألتها ممازحاً هل تصابان بالتوتر لمجرد بدء التلفزيون بالعمل أم أنكما تشاهدان محطة محددة تصيبكما بالنرفزة ..! قالت لي : لا المشكلة لا تتعلق بمحطة محددة بل بالتلفزيون نفسه ...!! سألتها مرة أخرى عما تشاهده كي أستطيع التفكير بالأمر و لكنها عادت لتؤكد أن مجرد إشعال الجهاز يجعلها تدخل و تدريجياً في دائرة التوتر و الشجار ..!
و حيال هذه المشكلة المبهمة التفسير لم أجد أمامي حلاً سوى أن أنصحها بالتفكير بالمشاكل التي تسبب الشجار لدى كل البشر عادة , بدلاً من اتهام التلفزيون بالتسبب بتوليد المشاكل و لكنها ... أدارت ظهرها غير عابئة بكلامي و بنصيحتي و أنصرفت تاركة إياي وسط دهشة عارمة ..!!
تذكرت هذه الحادثة و أنا أجول بين المحطات العربية على قمري النايل سات و العرب سات و التي بلغت رقماً كبيراً يجعلنا نعتقد أننا في أروع أحوالنا الإعلامية و لكن الحقيقة تفيد بأن أغلبنا يلجأ إلى ترتيب عدد من المحطات في قائمة المفضلة تاركاً وراءه هذا الجحفل العجيب من المحطات التي توتر و توتر وتوتر المشاهد العادي لتجعله و بعد فترة من الزمن مصاباً بارتياب مزمن يوصله إلى حالةٍ يحتاج معها الذهاب إلى الطبيب النفسي ..!!
أتحدث الآن عن محطات فضائية انطلقت من المساحات الجديدة التي أفرزتها الثورة التقنية و لكنني أعني أيضاً و بالتأكيد عشرات من المحطات التلفزيونية العربية الرسمية التي لا تقدم لمواطنيها سوى الغثاثة و الركاكة و تبقيهم على شاطئ مقفر من المتعة .. , فالجميع يشترك في أداء الدور الذي يجعل المتلقين يرتدون إلى فسحات مشاهدة تقوم على الخيال و الأسطرة و استعادة التاريخ المجيد ..! ففي كل ما سبق يعثر المشاهد البسيط على ما يعزز الذات و لو بشكل وهمي و لكنه و على شاشات الفضائيات العربية لا يجد سوى الخذلان و فقدان الثقة بالذات و الواقع ..
و ربما نجد في عجز الفضائيات المدعية الجماهيرية سبباً إضافياً في اندلاع جلبة فضائيات الشعوذة والتواكل ...
تخيلوا وجود محطة تسمي نفسها بالحقيقة و أخرى تسمى نفسها بقناة الناس لايظهر فيها سوى أصحاب الخطب اللواذع ..الخ
هل سيستطيع أبرع الأطباء النفسيين أن يعالجوا المرأة التي استوقفتني من مشكلتها الموهومة مع جهاز التلفزيون أم أنها ستركن و بشكل طوعي لما تبثه فضائية أسرتي ( مثلاً ) كي تتعلم و من جديد قوانين و أصول العيش في عصر الحواة و السحرة ..?
هل لدى أحد من عباقرة الفضائيات جواب ..?