تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حكاية عادية في فضاء عادي

فضائيات
الأحد 18/3/2007
علي سفر

كانت تقف عند باب مبنى التلفزيون ذات مساء بارد حين لمحتها , و حين أشار لي موظف الاستعلامات فهمت أنها ربما تنتظرني و إذ اقتربت لمحت على وجهها سمرة جعلتني أعتقد أنها من بلد عربي ما ,

سألتها عما تريده فقالت إنها تريد أن تقابل أي شخص ممن يعملون في التلفزيون يستطيع أن يحل لها مشكلتها و التي تتلخص بأن هناك من يتجسس عليها و على شؤونها الشخصية عبر شاشة جهاز التلفزيون ..!‏

و حين سألتها عما يجعلها تظن هذا الظن , قالت لي إنها تجلس مع أمها كل مساء في حال من الهدوء و بمجرد أن تشعل التلفزيون تصابان معاً بالتوتر الذي يقودهما إلى الشجار ..!!‏

استطرفت الفكرة و سألتها ممازحاً هل تصابان بالتوتر لمجرد بدء التلفزيون بالعمل أم أنكما تشاهدان محطة محددة تصيبكما بالنرفزة ..! قالت لي : لا المشكلة لا تتعلق بمحطة محددة بل بالتلفزيون نفسه ...!! سألتها مرة أخرى عما تشاهده كي أستطيع التفكير بالأمر و لكنها عادت لتؤكد أن مجرد إشعال الجهاز يجعلها تدخل و تدريجياً في دائرة التوتر و الشجار ..!‏

و حيال هذه المشكلة المبهمة التفسير لم أجد أمامي حلاً سوى أن أنصحها بالتفكير بالمشاكل التي تسبب الشجار لدى كل البشر عادة , بدلاً من اتهام التلفزيون بالتسبب بتوليد المشاكل و لكنها ... أدارت ظهرها غير عابئة بكلامي و بنصيحتي و أنصرفت تاركة إياي وسط دهشة عارمة ..!!‏

تذكرت هذه الحادثة و أنا أجول بين المحطات العربية على قمري النايل سات و العرب سات و التي بلغت رقماً كبيراً يجعلنا نعتقد أننا في أروع أحوالنا الإعلامية و لكن الحقيقة تفيد بأن أغلبنا يلجأ إلى ترتيب عدد من المحطات في قائمة المفضلة تاركاً وراءه هذا الجحفل العجيب من المحطات التي توتر و توتر وتوتر المشاهد العادي لتجعله و بعد فترة من الزمن مصاباً بارتياب مزمن يوصله إلى حالةٍ يحتاج معها الذهاب إلى الطبيب النفسي ..!!‏

أتحدث الآن عن محطات فضائية انطلقت من المساحات الجديدة التي أفرزتها الثورة التقنية و لكنني أعني أيضاً و بالتأكيد عشرات من المحطات التلفزيونية العربية الرسمية التي لا تقدم لمواطنيها سوى الغثاثة و الركاكة و تبقيهم على شاطئ مقفر من المتعة .. , فالجميع يشترك في أداء الدور الذي يجعل المتلقين يرتدون إلى فسحات مشاهدة تقوم على الخيال و الأسطرة و استعادة التاريخ المجيد ..! ففي كل ما سبق يعثر المشاهد البسيط على ما يعزز الذات و لو بشكل وهمي و لكنه و على شاشات الفضائيات العربية لا يجد سوى الخذلان و فقدان الثقة بالذات و الواقع ..‏

و ربما نجد في عجز الفضائيات المدعية الجماهيرية سبباً إضافياً في اندلاع جلبة فضائيات الشعوذة والتواكل ...‏

تخيلوا وجود محطة تسمي نفسها بالحقيقة و أخرى تسمى نفسها بقناة الناس لايظهر فيها سوى أصحاب الخطب اللواذع ..الخ‏

هل سيستطيع أبرع الأطباء النفسيين أن يعالجوا المرأة التي استوقفتني من مشكلتها الموهومة مع جهاز التلفزيون أم أنها ستركن و بشكل طوعي لما تبثه فضائية أسرتي ( مثلاً ) كي تتعلم و من جديد قوانين و أصول العيش في عصر الحواة و السحرة ..?‏

هل لدى أحد من عباقرة الفضائيات جواب ..?‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية